سيبقى مشهد تهافت الشعب الأفغاني نحو مطار كابول ,
ومحاولاتهم للتشبث بعربات وسلالم الطائرات أو بعجلاتها , من المشاهد المأسوية في
ذاكرة العالم , بعدما دفع الكثيرين للدهشة والإستغراب , لطريقة تلقي عدداَ كبيراً
من الأفغان نبأ الإنسحاب الأمريكي والأطلسي , بعد عشرين عاماً للغزو والإحتلال
والعبث والفوضى في البلاد .
لا يمكن التأكيد على أن جميع الراغبين بمغادرة البلاد هم
من الأفغان العملاء أو الخونة , والمتعاملين مع قوات الإحتلال الأمريكي بطريقة أو
بأخرى , كذلك لا يمكن الجزم بأن كل من هللوا ولم يغادروا هم طالبانيون أو من
مؤيديهم في بيئة داخلية غير متجانسة سياسياً وإيديولوجياً , فالبلاد تعج بالقوميات
والإثنيات والعرقيات والمذاهب ... ويبقى من الثابت أن طالبان تحاول بسط سيطرتها على الجميع
دون استثناء , في وقتٍ تتحدث فيه عن الإستقرار والسلام ومعالجة كافة المشاكل , وسط
بيئة جيوسياسية معقدة تربطها مع دول الجوار , الأمر الذي يبدو أشبه بالمهمة
المستحيلة , بما يشي بوقوف أفغانستان على مفترق طرق خطير للغاية , لا تُستبعد فيه
الحرب الأهلية.
تبدو المخاوف من سيطرة طالبان ترتبط إرتباطاً وثيقاً
بإنعدام ثقة جميع الأفغان بحكمها , بالإضافة إلى وجود المعارضين القبليين
والسياسيين التاريخيين لشكل وطريقة حكمها , قد شكل دافعاً لإتجاه الكثيرين نحو مطار
كابول والحدود البرية لمغادرة البلاد.
من الواضح أن محاولات طالبان منذ منتصف شهر اّب الماضي ,
لتهدئة مخاوف الأفغان قد فشلت , أمام ذاكرتهم بسطوتها وطغيانها إبان فترة حكمها
1996 – 2001 , على الرغم من إسراعها بالإعلان عن فرض الشريعة , وتغيير العلم
الأفغاني , والقيود المفروضة على حقوق المرأة ...إلخ.
كذلك تعاني طالبان من عجزٍ خطير في نيل الثقة الدولية ,
بفضل تاريخها المرتبط بالعنف والجهل والتخلف بالنسبة لبعض الدول , وبالإرهاب
بالنسبة لغير دول , وبالتأكيد ستحتاج إلى دعم وتعاون دوليين , للبقاء وللعمل
كحكومة مقبولة من دول العالم , وهذا سيضعها تحت رحمة المبتزين والطامعين وأصحاب
الغايات والاهداف السياسية , وأصحاب المصلحة الحقيقية لحماية حدودهم وأمن دولهم
الداخلي .
إن الهجوم على مطار حامد كرزاي الدولي , وسقوط القتلى
والجرحى , يدفع طالبان لإثبات عدم ارتباطها بمرتكبي الهجوم الإرهابي , وبإدانتهم
وملاحقتهم ومحاربتهم , وهذا سيفرض عليها
حتماً موقفاً ضد تنظيم القاعدة وداعش والجماعات الأخرى... كذلك سيفرض عليها مواجهة التحديات
الجيوسياسية الداخلية والخارجية , بما في ذلك إقناع طاجكستان وباكستان والهند
والصين وروسيا وإيران ... , بأنها لن تكون مصدراً للقلق والفوضى .
أخيراً ... إذا كان الإنسحاب الأمريكي والأطلسي من أفغانستان
يعني غياباً للوجود العسكري الخارجي في الداخل , لكنه لا يعني عدم عودة واشنطن
وحلفائها التدخل من خارج الحدود , بالإضافة إلى تعقيد الجغرافيا السياسية المتمركزة
حول أفغانستان وارتباط عديد الفصائل المحلية إلى ببعض الجهات الخارجية , سيجعل
مهمة طالبان بالإجابة على سؤال - أفغانستان إلى أين ؟ - أشبه بالمستحيلة , وسيبقى رهن
اللعبة الدولية.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
No comments:
Post a Comment