Wednesday, June 7, 2023

أولى ثمار مبادرة بكين للأمن العالمي ..الإتفاق الإيراني السعودي - م. ميشيل كلاغاصي


في ظل تراجع الإستقرارالعالمي , وتصاعد التهديد الذي يواجهه الأمن الدولي, وسط توجه وسعي الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية , لتحقيق التفوق الإقتصادي والعسكري , طرح الرئيس الصيني في 21/4/2022 مبادرة بلاده "للأمن العالمي" ورؤيتها لتعزيز الأمن المشترك في العالم ، والتي دعت إلى التمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام ، والعمل على صيانة السلام والأمن في العالم , والتمسك بإحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى , والإلتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ونبذ عقلية الحرب الباردة ومعارضة العقوبات أحادية الجانب , وبسلمية الحلول للخلافات والصراعات واعتماد الحوار والتشاور, والعمل سوياً على مواجهة النزاعات الإقليمية والقضايا الكونية مثل الإرهاب وتغير المناخ والأمن السيبراني والأمن البيولوجي.

ومن خلال بنود وجوهر هذه المبادرة , حاولت الصين الدخول على خط الأزمة والتنافس الإيراني السعودي الحاد , بعدما استغلته الولايات المتحدة لعقود , واستطاعت هز وزعزعة استقرار الأمن الإقليمي في المنطقة , وحاولت مراراً نسف التقارب بينهما , على الرغم من حاجة الرياض وطهران المشتركة إلى علاقات جوار طبيعية وطيبة , وإلى تكثيف التعاون إنطلاقاً من تاريخية العلاقات الإيرانية السعودية , وتكامل أدوارهما لإستعادة الهدوء والإستقرار في المنطقة , والعمل سويةً على إيجاد الحلول للأزمات والخلافات والصراعات التي تعصف بها.

ولا بد من تثمين المبادرة والوساطة الصينية , التي ساعدت في تخطي ما كان من الصعب تخطيه نتيجة العوائق والعراقيل الأمريكية , خصوصاً وأن بكين إتكئت على إيمانها بنجاح "مبادرة الأمن الدولي" , التي استطاعت تحقيق أول نجاح لها منذ أن أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ , والتي تمت ترجمتها يوم أمس الأول في بيانٍ ثلاثي مشترك , أكد التوصل إلى إتفاقٍ حول استئناف العلاقات الدبلوماسية , على قاعدة عدم التدخل في شؤون بعضهما البعض واحترام سيادتها , وجرى الاتفاق على افتتاح السفارات في غضون شهرين , وترتيب تبادل السفراء , ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بين الرياض وطهران , ولم يفوت البيان فرصة توجيه الشكر للعراق وسلطنة عمان , اللتان احتضنتا عدة جولات للحوار بينهما , بما ساهم في تقريب وجهات النظر.

وقد قوبل الاتفاق بترحيب عربي ودولي واسع , وكأن العالم كان ينتظر هذا الاتفاق , وحدهما الولايات المتحدة وسلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب من أغاظمها الإتفاق ولم يرحبا به , وخصوصاً وأن الصين هي عرابة وحاضنة الإتفاق , حيث أكد زعيم المعارضة في الكيان الغاصب , يائير لبيد ، - بحسب الإعلام الإسرائيلي - إن "الإتفاق بين السعودية وإيران هو فشل تام وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية" , في حين إعتبر رئيس رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، نفتالي بينيت ، أن الاتفاق هو "تطور خطير بالنسبة إسرائيل وانتصار سياسي بالنسبة لإيران" .

في الوقت الذي أكد فيه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني: أن "مباحثات بكين كانت "صريحة وشفافة وشاملة وبناءة" , وبأن الإتفاق سيساعد على "توسيع الإستقرار والأمن الإقليميين وزيادة التعاون في الخليج والعالم الإسلامي".

مما لا شك فيه أن مرحلة ما قبل الإتفاق ستختلف تماماً عما بعدها , ومن المهم للصين ولكل الدول التي رحبت بالإتفاق , أن تسعى لحمايته , وإبعاده عن يد العبث الأمريكي – الإسرائيلي , ومنحه الوقت لتفكيك العقد , وبلورة جوهر الإتفاق , بهدف حصد ثماره , التي ستنعكس إيجاباً ليس على طرفي الاتفاق فقط , بل على عدة دول وملفات وصراعات وخصوصاً تلك التي تعصف بالمنطقة منذ سنوات , وأن يكون لليمن وسورية ولبنان والعراق , حصةً طيبة من ثماره , ناهيك عن مدى تأثير الاتفاق على تدعيم الأمن والإستقرار في هذه المنطقة وغير مناطق وأقاليم وعلى العالم بأسره.

إن القلق السياسي والإقتصادي والمالي للولايات المتحدة جراء إبرام الاتفاق , سيضاعف هواجسها ومخاوفها من تأثيره على تسريع الإنتقال نحو النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب , الأمر الذي سيؤثر بشكلٍ كبير على ما تبقى من هيمنتها ومكانتها السياسية والإقتصادية , وعلى مكانة الدولار الأمريكي وقوة تواجده في الأسواق المالية , وعلى كل ما من شأنه منحها القدرة على زعزعة استقرار الدول.  

م. ميشيل كلاغاصي

11/3/2023

 

No comments:

Post a Comment