Sunday, June 4, 2023

منع إنهيار النظام الأحادي .. مهمة أمريكية مستحيلة - م. ميشيل كلاغاصي


قبيل انتهاء عام 2022 , تحدث ميخائيل أوليانوف ، الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا , عن إنشاء مثلث جديد في الدبلوماسية الدولية , باتت تشكله كل من الصين وإيران وروسيا ، وأن بعثاتهم الدائمة أجرت مشاوراتٍ ثلاثية مثمرة حول القضايا ذات الإهتمام المشترك , وأشار إلى إمكانية توسع هذه الصيغة في ظل وجود عديد الدول المؤيدة لعالمٍ متعدد الأطراف , في وقتٍ أكد فيه وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره سيرغي لافروف على هامش قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا مؤخراً , استعداد بكين للعمل مع روسيا وغير دول لتعزيز تعددية الأقطاب في العالم "بشكلٍ حاسم".

تبدو عملية التوحيد هذه مبدئية ومنطقية ولا رجعة عنها , على خلفية حاجة العالم للإبتعاد عن هيمنة وإملاءات الولايات المتحدة , ومحاولاتها المستمرة لفرض "قواعدها" ، التي تشكل أساس النظام الأحادي , بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة التي ربطت دول المثلث الجديد عبر السنوات والعقود , واجتماعها على معارضة الهيمنة الأمريكية في العالم , ومقاومة عقوباتها غير القانونية ضد الدول المستقلة أو الراغبة بالخروج عن "العباءة" الأمريكية.

يبدو توافق بكين وموسكو وطهران , وأتجاههم نحو الإتحاد من أجل التنمية , يعتمد إلى حد كبير على الوضع في أوراسيا والقارة الاّسيوية بشكلٍ عام , وتؤكد المشاريع الكبرى التي نفذتها تلك الدول في السنوات الأخيرة مدى صحة وأهمية "الإهتمام المشترك" الذي تحدث عنه أوليانوف , بدءاً من خطوط طريق الحرير، وإنشاء ممرات النقل بين الغرب والشرق والشمال والجنوب ، وتوسيع البنى التحتية الأساسية لنقل البضائع براً , خصوصاً بعدما حاول الغرب قطع وإبعاد طرق التجارة الغربية عن روسيا وإيران.

وباتت الحاجة ماسة للإعتماد على طريقٍ تجاري أوراسي جديد , بعيداً عن قبضة الناتو , الأمر الذي منح ممرات اّسيا الوسطى أهمية مضاعفة , بهدف إستمرار إتصالها بأنظمة وطرق التجارة العالمية.

كانت إيران ، التي تعرضت للعقوبات "الدولية" على مدى أربعة عقود , من أوائل من أدركوا أن أوراسيا ستحتاج عاجلاً أو آجلاً إلى طريق نقل بري , في ظل التهديد الذي تتعرض له الملاحة البحرية , من قبل واشنطن وحلفائها وأدواتها , كذلك هو الحال بالنسبة للصين , والتي باتت تتعرض للعقوبات الأمريكية والغربية , ناهيك عن التهديدات العسكرية المباشرة من البوابة التايوانية , في حين تبقى روسيا غنيةً عن التعريف وهي التي باتت تحتل المرتبة الأولى في لوائح العقوبات الأمريكية والغربية من البوابة الأوكرانية.

وعليه يبدو تطوير طرق النقل الأوراسية – الاّسيوية , بمثابة الرد المباشر لكل من روسيا وإيران والصين على السياسة العدوانية للولايات المتحدة والغرب وتهديداتهما الدائمة , والتي تترجمها بالعدوان الخارجي والداخلي على إيران والصين , وبالحرب الأطلسية على روسيا.

لكن وعلى العكس من ذلك , يبدو أن الضغوط والحصار والعقوبات الأمريكية والغربية , ساهمت في تعزيز العلاقات الثلاثية وبناء التعاون متبادل المنفعة , كذلك أدت من حيث النتيجة إلى إبطال مفاعيل العقوبات الغربية على دولهم , وبدفعهم نحو المزيد من التكامل التجاري والإقتصادي والسياسي وحتى العسكري ، كما أنه ساعدها بشكل فاعل على الإنضمام إلى الجهود الدولية الساعية لتوطيد السلام في المناطق الساخنة في أوراسيا , والشرق الأوسط , والخليج والمنطقة العربية.

وصب هذا التعاون جهوده على رفض واستئصال الإرهاب الدولي المنظم , وبمساعدة الدول التي تتعرض للإرهاب , لمحاربته والتخلص منه كسورية , بالإضافة إلى جهوده في منع نشوب الصراعات في القوقاز وأفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى , ومساعدة دول وشعوب المثلث الأوراسي – الاّسيوي على النهوض الإقتصادي والمشاركة فيه. 

وفي هذا الصدد , تبذل الصين وروسيا وإيران ، الجهود الضرورية لتسريع عملية التعاون العالمي ، الذي سيشكل عنواناً رئيسياً لعالمٍ جديد متعدد الأقطاب , والذي لا بد وأن تتطلع إليه الدول الأوروبية أيضاً , لكنها لا تزال غارقة في ورطتها القديمة – الجديدة , وتبعيتها " للسيد " الأمريكي.

أخيراً ... تعكس سياسة الإدارة الأمريكية مؤخراً تخبطها الواضح , ولم تعد تستطيع إخفاء هزائمها السياسية والإقتصادية والعسكرية , ولن يكون بمقدورها الإستمرار بإمساك حلفائها وعديد الدول من رقابها كما فعلت على مدى أكثر من ثلث قرن , ولم تعد تستطيع إخفاء ضعف مقاومتها لإنهيار النظام الأحادي , وتبدو مهمتها أشبه بالمستحيل , كما أن ملامح النظام العالمي متعدد الأقطاب بدأ بترسيخ أقدامه , مع تنامي التعاون بين إيران وروسيا والصين , وهذا ما بدا جلياً من خلال تكثيف العلاقات والإتصالات والإتفاقات بين تلك الدول , بالإضافة إلى تكثيف الزيارات المتبادلة , ولن تكون اّخرها زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الصين والقمة التي جمعته بالرئيس شي جين بينغ.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

25/2/2023

 

No comments:

Post a Comment