Wednesday, June 7, 2023

الإنتخابات التركية .. ما بين كلمة السرّ الأمريكية وإستقلالية القرار التركي - م. ميشال كلاغاصي


في زمانٍ تسيدته الولايات المتحدة بمفردها لأكثر من ربع قرن , لم يعد بالإمكان العثورعلى معارضة مستقلة , خصوصاً في الدول التي تعاند أو تعارض السياسة الأمريكية , المهيمنة والباحثة دائماً عن التدخل في الشؤون الداخلية لغالبية الدول المؤثرة والفاعلة سواء في محيطها أو في العالم , وباتت فكرة توحيد تلك المعارضات خديعة أمريكية بحتة , وغالباً ما تنتهي بالفشل , بعد إدخالها في دوامة الحدث والهدف الذان يخدمان الخطط والمصالح الأمريكية ..

وقد ينطبق هذا التوصيف على المعارضة التركية أيضاً , التي لا بد لها وأن تصطدم بطموحاتها السياسية , وبتناقض برامجها الإنتخابية , وبشكل ولون الأطياف والشرائح الشعبية التي تمثلها , أو تلك التي ستصوت لها في الإنتخابات الرئاسية القادمة.

وهذا قد يفسر الإنقسام في كتلة المعارضة التركية المكونة حالياً من ستة أحزاب , وبالإعتماد على نشرته وسائل الإعلام التركية , يبدو أن زعيمة حزب الجيد يمين الوسط ميرال أكشنر, رفضت دعم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو , صاحب الـ 74 عاماً , كمرشح معارض ووحيد في الإنتخابات الرئاسية القادمة في 14 أيار/مايو , ومع ذلك ، لم تعلن انسحابها من الكتلة السداسية المعارضة ، واكتفت بإعلان موقفها السلبي تجاه المرشح الرئيسي للمعارضة السداسية ، فهل تبحث السيدة أكشنار عن مصالحها وحزبها في الإنتخابات البرلمانية فقط , أم تبحث عن تحالفات جديدة تلبي طموحاتها وحزبها ومؤيديها ؟.

وهل يكون "الشرخ" الذي أحدثه موقف ميرال أكشنر داخل الصف المعارض , أحد أسباب الرفض الحازم الذي أبداه الرئيس إردوغان لتأجيل موعد الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية العامة , أم أن دافعه الأساسي هو حالة البلاد التي لا تقبل الإنتظار في ظل الزلزال الكارثة , وقد تكون لديه مخاوف من استغلال المعارضة لتداعيات الزلزال , والسخط الشعبي , الذي حمّل إدارته وحزبه نتائج التلاعب بتراخيص الأبنية ومواصفاتها الفنية , التي فضحت نفسها بنفسها من خلال الزلزال.

مهما يكن من شأن الحسابات الداخلية التركية , لكن الواقع يؤكد أن تداعيات الزلزال ساهمت بدفع الولايات المتحدة نحو تأجيل إعادة تقييم علاقاتها مع الرئيس إردوغان , وبالمقابل منحت الرئيس إردوغان والأتراك عموماً , الفرصة لمراقبة واختبار سلوك ومساعدات حلف الناتو ودوله تجاه تركيا في ظل قساوة وكارثية تداعيات الزلزال , والأزمة المالية والإقتصادية , ومشكلة التضخم التي تعاني منها تركيا أصلاً , وهي بطبيعة الحال فرصة ثمينة لن يهدرها إردوغان , وسيسعى لإستعادة علاقاته الطبيعية السابقة مع الولايات المتحدة , وللحصول على القروض , وعلى المساعدات والإستثمارات الغربية والدولية, والتي تشكل بحد ذاتها حلولاً لمشاكله الداخلية حصوصاً الاقتصادية منها , وستصب نتائجها الإيجابية في العملية الإنتخابية.

لا يمكن للرئيس التركي الإتكاء على هذه الصورة الوردية للنجاح والفوز في الانتخابات الرئاسية , فالعودة إلى حالة الوفاق التام مع الولايات المتحدة ليس بالأمر السهل , والصعوبة والخطورة تكمن في التفاصيل الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء , إذ لا يمكن التعويل على حقيقة تقدم كليجدار أوغلو في السن , فالرئيس إردوغان يجاريه في السن أيضاً , بل لا بد له من الحذر من بعض من يقفون وراء ترشيح كليجدار أوغلو , أو انسحبوا , وتمترسوا وراء دعمه , كرئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة , ناهيك عن المعارضين "الأشداء" المعروفين في السباق الرئاسي كـ علي باباجان , وأحمد داوود أوغلو صاحب فكرة المرشح الواحد لتمثيل المعارضة.

لا يمكن تصور خفايا الإنتخابات الرئاسية التركية بعيداً عن التدخل الأمريكي السياسي والإستخباري , وكذلك الإهتمام الروسي , ببقاء تركيا وحفاظها على مكانتها في المنطقة , خصوصاً وأن العلاقات الروسية – التركية شهدت تطوراً كبيراً , ومن المهم لروسيا والصين وعشرات الدول , إنخراط تركيا في علاقات التعاون مع كافة دول الجوار والعالم , وأن تلعب دورها التاريخي المستقل كصلة الوصل بين الشرق والغرب بعيداً عن أحلام تحولها إلى دولة أوروبية بالمطلق , ووضع نفسها في خدمة مصالح الولايات المتحدة ، كما يفعل الأوروبيون

.يبدو أن الإنقسامات الداخلية للمعارضة , تتخطى إعتقاد كليجدار أوغلو بفشل فكرة المعارضة الموحدة , كذلك على ما أعلنته ميرال أكشنار برفضها دعم العجوز كليجدار أوغلو, وقد تشهد الفترة المتبقية للإنتخابات تكتيكات جديدة , وترشيحات وتحالفات جديدة أيضاً , وليس بالضرورة لها أن تبقى خماسية , وسط الحديث الإعلامي عن تشكيل ما تسمى "القوة الثالثة" , التي تضم أحمد داوود أوغلو , وتميل كارامولا أوغلو, وميرال أكشنر, وأن يكون مرشحهم سليمان دميرطاش , زعيم الحزب الديمقراطي الموالي للأكراد , الذي سيجد فيها فرصةً مواتية للتحالف مع إردوغان , خصوصاً وأن تداعيات الزلزال أصابت المحافظات الجنوبية الشرقية بشكلٍ رئيسي , والتي يشكل الأكراد غالبية سكانها.

مهما يكن من شأن التحالفات وأسماء وأعداد المرشحين للرئاسة , تبدو مهمة الرئيس إردوغان في انتخابات أيار/ مايو 2023 صعبة للغاية , وتتعلق بكلمة السرّ التي قد ترسلها واشنطن في ليلةٍ وضحاها , في وقتٍ يبحث فيه إردوغان بين ركام الزلزال والأوضاع الجيوسياسية الصعبة لبلاده عن المزيد من الإستقلالية السياسية.  

م. ميشال كلاغاصي

10/3/2023 

No comments:

Post a Comment