Monday, July 16, 2018

تاريخ من تآمروا على سورية..أعراب ٌ يعتقدون أنهم عربا ً- ميشيل كلاغاصي

في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد تم تطوير السفن النهرية لتجوب البحار وتفتح أبواب التجارة البعيدة , واحتل المصريون بوابة الطريق الدولي الوحيد الذي يربط بين أسواق العالم القديم , ودعت ظروف التجارة الدولية إلى البحث عن عملة دولية , وانتهى البحث سريعاً ً بإعتماد الذهب والفضة لتغطية جميع السلع بسعر موحد , مما جعل مالكي الذهب والفضة يتحولون من صاغة إلى أصحاب "مصارف" خاصة ً عندما نجحوا بإقناع زبائنهم بإيداع ذهبهم وفضتهم لديهم مقابل فائدة محدودة وبالتالي تحولت الودائع إلى ما يمكن اعتباره بوديعة مصرفية مضمونة يمكن استثمارها في التجارة الدولية لتحقيق ربح غير محدود.
لم يطل الزمن حتى أثبت المصرف انه ليس دكاناً ً للنقود فقط بل سلاحاً ً جديداً ً يمكنه أن يُحدث انقلابا ً شاملا ً في خطط الحرب , بسبب قدرته على حشد قوات عسكرية بالأجرة و ضمان تمويل المعارك لزمن طويل .
وفي نهاية القرن العشرين قبل الميلاد تم نقل دولة الإقطاع من مرحلة المملكة إلى مرحلة الإمبراطورية وأصبح الإقطاعي يعرف وجه العلاقة بين التفوق العسكري و التمويل المنتظم.
وفي القرن الثامن عشر قبل الميلاد تسللت إلى مصر إحدى القبائل والتي كانت تدعو نفسها باسم العبرانيين- أي الرحّل - وتفرّقت داخل المدن المصرية المحتلة من قبل الهكسوس , حيث اشتغل رجالها في ميادين الحرف اليدوية كونهم لا يملكون نصيبا ً في الأرض وكانت صياغة الذهب من أكثر الحرف إثارة ً لكل مهاجر غريب .. وفي عصر يوسف الصديق كانت مصارف العبرانيين قد احتكرت تمويل حكومة الاحتلال مقابل جمع الضرائب من المصريين ونجحت في السيطرة على اقتصاد الدولة.
الى حد ُأرغم ملك الهكسوس على أن يتقاسم السلطة مع يوسف قائلاً : "أنت تكون على بيتي و على فمك يقبل جميع الشعب" وبذلك تمكنت المصارف العبرانية من تسخير اقتصاد مصر و أن تستغل سنوات الجفاف وترفع العمولة على القروض إلى حد تجاوز قدرة المزارعين على السداد وبالتالي تمكن يوسف من شراء كل أراضي مصر لصالح فرعون.
استمر ذلك إلى عام 1550 ق.م حيث اجتاح المصريون قلاع الهكسوس في معركة أعادت ميزان القوى لنصابه وعاد فرعون ظافرا ًمن أرض المعركة ووجد الوقت مناسبا ً لتصفية الحساب مع رأس المال في أيدي العبرانيين ويؤمم مصارفهم ويطردهم من مصر , فأدرك المصرفي العبراني أن رأس المال الذي اشترى أرض مصر لحساب الهكسوس لم يستطع أن يضمن رأسه في مصر . وأن تصحيح "الخطأ" يكون بشراء الأرض هذه المرة في أرض فلسطين ولحسابهم و بذلك ولدت فكرة أرض الميعاد .. وفي صحراء سيناء القاحلة جلس قادة العبرانيين الهاربين برؤوس أموالهم من مصر لكي يكتبوا النسخة الأولى من دستور الدولة الرأسمالية الحديثة ويؤسسوا على الورق مخطط أول جمهورية في التاريخ خلال 2000 عام .
لقد تضمن البند الأول لهذا الدستور إنهاء عصر الإقطاع بتقليص سلطات الملك وتوزيع أجهزة الإدارة بين اثني عشرة قبيلة من أسباط إسرائيل.
أما البند الثاني فقد ُخصص لضمان شرعية الربا وتسخير جهاز الدولة لحماية قروض المصارف في الداخل والخارج.
فيما اتجه البند الثالث لتأمين قاعدة رأس المال "خاصتهم" بمنع الربا بين اليهود وتصفية ديونهم بالإبراء العام مرة كل سبع سنوات.
معتمدين التوراة كأساس لوضع هذه البنود من خلال التفسير الملائم لهم ( التلمود ).
لقد جعلت التوراة إقراض الغريب بالربا فريضة دينية لزيادة رأس المال اليهودي عبر وسائل وطرق متعددة كزيادة سعر الفائدة على القروض واحتكار السلع.....الخ. مما يؤمن تضاعف رأس المال اليهودي 50% سنويا ً..لقد قرر اليهود إعادة كتابة التاريخ كله من جديد وبضمانة التوراة التي تصيغ قصة خروجهم من مصر في صيغة تليق بمقام الأغنياء وينال فرعون العقاب الذي يستحقه مع كل من يهدد أمن المصارف فتغرقه التوراة في البحر الأحمر و يلعنه رجال الدين للأبد.
و في عصرالملك سليمان حوالي 950 ق.م أصبح التجار اليهود هم أصحاب اليد العليا في اقتصاد الشرق الأوسط و كانت مصارفهم تدير أكبر أسطول تجاري في المنطقة و تسيطر على أسواق عالمية تمتد بين الصين و اليمن.
إن سلاح المصرف الحر أراد تحويل قبيلة الرعاة إلى مستوطنين ناجحين في أرض فلسطين لكن نبوخذ نصر قام في سنة 722 ق. م بأسرهم و ترحيلهم إلى بابل معتقدا ً أن الإقطاع انتصر على نظام المصرف الحر.
وخلال الألف سنة التالية تفرق اليهود في جهات الأرض الأربعة وتحوّل نشاطهم المصرفي إلى كارثة على اقتصاد جميع الأمم فقد طبقوا أينما حلوا نظام دفع الفائدة وأقاموا المشاريع المشبوهة القادرة على تحقيق ربح سريع في زمن قصير حيث مولوا الخمارات ونوادي القمار وتجهيز عصابات القراصنة لخطف الرقيق و ....وهي مشروعات ما لبثت أن أدانت اليهود أخلاقيا ً في كل أنحاء العالم. حتى السيد المسيح حمل عصاه وخرج لطرد الصرافين من ساحة المعبد قائلاً : "بيت أبي بيت صلاة و أنتم جعلتموه مغارة لصوص", معلنا ً بالوقت نفسه إفلاس مشروع التوراة رسمياً ً.
ومن ثم رفعت الكنيسة المسيحية عصاها غاضبة ً في وجه المرابين اليهود , حيث تكلم الاقتصاد بلغة الرهبان فصار الفقر فضيلة وتصاعدت الحرب ضد متاع الحياة الدنيا حتى قرر سمعان العمودي أن يقضي حياته فوق عمود . وبذلك حفر خندقا ً بين الدين و رأس المال غير قابل ٍ للردم.
وظلّ الوضع على حاله كما تركه نبوخذ نصر إلى أن استعاد الرسول (ص) الصيغة الصحيحة تحت شعار حكم الجماعة لتنمية رأس المال في مجتمع ديمقراطي وأعاد توزيعه بشكل يضمن إنهاء عصر الفقر و البطالة ولم يعرف العرب أن يحافظوا على ما وصلوا إليه رغم اكتسابهم ثقة الناس والقدرة على كسب المعارك وخسروا المعركة أمام مد العالم الرأسمالي الذي لا يرحم , واختفوا عن مسرح الحياة بعد ثمانية قرون وبات عليهم أن يدفعوا الثمن.
و رغم ظروفهم الحالكة استطاعوا تطوير السفينة البحرية وجابوا البحار و المحيطات ووصلوا الى اليابان واستراليا , فتضاعفت تجارتهم لكنهم لا يملكون المال القادر على تمويل حملات الاستيطان وبقوا عند حدود جبل طارق , في الوقت نفسه كان كولومبس عام 1492 يبحر بسفن وخرائط عربية ويتجه غرباً ً ليكتشف العالم الجديد, في حين لم يتمكن العرب من السيطرة على خطوط التجارة الدولية.
في هذا الوقت كان نظام المصرف اليهودي الذي مات في الشرق الأوسط يُبعث للحياة مجددا ً في بلدان غرب أوروبا واستطاع جني الكثير من المال في بريطانيا من جمع الضرائب لحساب الملكة إليزابيث في خضم نقمة شعبية عارمة ضد اليهود كما حدث لهم في عصر الهكسوس, لكن المملكة البريطانية استفادت منهم في استعادة صيغة الملكية الدستورية التي أبتكرها اليهود والتي تقوم على سلطة المصارف وتسخير الدولة لخدمة رأس المال وبذلك استطاع الانكليز أن يسبقوا كافة دول قارتهم بشوط كبير.
كما أن الموقع الجغرافي للمملكة لم يسمح لها بحروب برية فركزت أنفاقها العسكري على بناء الأساطيل وتطوير المدافع وزيادة سرعة الطوربيد البحري, مما جعلهم بمثابة قرش البحر القاتل.
فقام الانكليز بتأسيس بنك لندن معتمدين على الميزانية العسكرية ودخل الدولة وقروض المصارف الذي ضاعف نفسه أكثر من أربعين مرة خلال قرن وبذلك تضاعف عدد الجنود والآلة العسكرية وارتفع عدد سفن الأسطول وبذلك تمت ولادة الدولة العظمة, وتحت رعاية هذه الدولة المصرفية استعاد اليهود حق المواطنة ولأول مرة منذ عصر نبوخذ نصر حيث منحتهم الثورة الفرنسية حق الحصول على الجنسية وكذلك فعلت بريطانيا لقطع الطريق على نابليون في استمالة المصارف اليهودية, وبذلك أضحى الأوربيون يتنافسون على منحهم الجنسيات المختلفة وتحولت أوروبا بأسرها إلى أرض الميعاد لكن اليهود بقيت عيونهم شاخصة إلى القارة الأمريكية العذراء بثرواتها وخيراتها وبذلك وضعوا حلمهم بأرض فلسطين جانبا ً وبشكل مؤقت وانطلقوا إلى نيويورك وأنشأوا المصارف التي تبنت زيادة الإنتاج على نطاق لم يسبق له مثيل وبذلك تضاعف نظام المصرف الحر بصورة خيالية وأصبح جاهزا ً للانطلاق نحو للمرحلة التالية.
فبعد أن تحرر نظام الدولة الرأسمالية من قاموس التوراة واستعاد لغته في قاموس المصرف الحر فلم تعد فكرة "الدولة اليهودية" دولة لليهود بل أصبحت دولة المصارف التي تتعامل مع كل الزبائن من أي لون وعرق , ولم يكن همها سوى الربح المادي وبذلك فتحت السوق العالمية أمام رأس المال شرط تولي الإدارة وضمنت مستقبل المصرف الحر الذي أخذ يجتاح دول العالم والقارات حيث أمتد من وراء المحيط إلى داخل منطقة نفوذ الأتراك واشترت امتيازات سكة حديد بغداد وآبار نفط البحرين وافتتحت معركة المصرف الحر ضد الإقطاع ثانية ً تحت سماء الشرق الأوسط للمرة الثانية منذ عصر فرعون.
في هذا الوقت كان الشرق الأوسط لا يزال على حاله كما تركه فرعون تتحكم به حكوماته الإقطاعية المتناحرة والتي تدار بنظم بدائية لا تستطيع أن تحوي نظام المصرف الحر ولا تضمن له الأمان المطلوب.
ومن جهة أخرى كان الشرق الأوسط بموقعه الجغرافي الممتاز الذي يتمركز عند بوابة التجارة الدولية بين القارات, والذي تحتاج فيه المصارف إلى مراكز مستقرة وبأي طريقة وثمن دفع الدول الرأسمالية للإختلاف فيما بينها على حلين:
الأول وتبنته فرنسا و يتمثل بإنشاء جمهورية لبنان على أن توزع فيه السلطة بين خصوم ذوي مصالح متناقضة بشكل لا يهدد النظام المصرفي الحر ونجحوا مؤقتا ً في اجتذاب رأس المال إلى لبنان وتم تأسيس أول بنك عربي ( بنك انترا ) لكن سرعان ما قتلته المصارف الغربية وأعلن إفلاسه.
الثاني تبنته الولايات المتحدة الأمريكية وتمثل بإحياء مشروع إسرائيل على خطة مصرفية صريحة هدفها كسب رأس المال اليهودي وكذلك أن تضمن للمصرف الحر وطناً آمنا ً بين إقطاعيات الشرق الأوسط , و هي فكرة لم تولد من الشعب الأمريكي أو الكونغرس إنما ولدت سراً ً في مكاتب أصحاب المصارف الأمريكية وسخروا لها الرئيس ترومان لتنفيذها بأسلحة مالية بحتة منها تهديد بريطانيا و إلزام ألمانيا بدفع تعويضات لإسرائيل إذا عارضتا دخول اليهود لفلسطين عام 1947, وبذلك كان المصرف الحر يملك فكرة إقامة وطنيين في الشرق الأوسط سنة 1948, الأول لبنان والثاني إسرائيل مع عدم التكافؤ حيث انطلق اللبنانيون من خلال صيغة خرافية ساذجة نحو بناء وطن رأس مالي دون جيش وأطلقوا على لبنان تسمية سويسرا الشرق متجاهلين أن سويسرا نفسها تملك أكفأ جيش دفاعي في التاريخ.
و في الجهة الأخرى أقامت إسرائيل تدابير عديدة لخدمة رأس المال في أرض فلسطين المحتلة حيث استماتوا دفاعا ً عن أسهم بريطانيا في قناة السويس وحرسوا آبار النفط الأمريكية في الخليج و أداروا مصارف التجارة الدولية بين آسيا و أفريقيا تحت عين الرضا من دول الغرب.
ثم جاءت عام 1967 المواجهة المباشرة وانتهت المعركة خلال ساعات معدودة وعاد العرب بدرس موجع للكل ونافع للبعض , حيث فهمه بعض القادة على مبدأ أن جميع أوراق اللعبة بيد أمريكا ولابد من الاستسلام لها كما فعل سادات ومصر وملك الأردن علنا ً , ودول الخليج و آل سعود سرا ً.. وفهمها البعض الآخر أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة و بالإعتماد  على الله والذات وبالالتفاف حول رمز الأمة وبدأت تتشكل نواة المقاومة بزعامة سوريا وفكر قائدها المؤسس حافظ الأسد ومن خلفها كل الشعوب العربية وأحرار العالم , و أخذت تبني نفسها من جديد اقتصادياً ً وعسكرياً ً في ظل أحلك الظروف وسوداء الأيام واستطاعت بناء جسم المقاومة ومدت له الجسور المتينة والقوية مع بعض الدول كإيران والاتحاد السوفيتي سابقا ً(روسياً) والصين و غيرها ... و تمكنت من وضع صخرة الانطلاق الأولى التي تمنع التراجع والخسائر أو الهزائم وتبشر بزمن الانتصار انطلاقا ًمن حرب تشرين التحريرية 1973.
لم يرق للأعداء أن تنهض الأمة من جديد, فكان ربيع الدم, و ربيع التقسيم, والقتل والدمار والدماء.. ولم يبخل الأعراب بمالهم , وبفكرهم التكفيري و ببدعتهم الدينية المشوهة وأن يكونوا النسخة الأعرابية الصهيونية المتأسلمة , و الأداة القاتلة للمشروع النهضوي العربي الذي أرّق مضاجعهم وهدد عروشهم , مع تنامي الوعي القومي العربي والعروبي الأصيل .. فكانت سورية قلب العروبة النابض هدفا ً رئيسيا ً لمخططاتهم ولعمالتهم وحقدهم, ويحهم .. أعرابٌ وقد اعتقدوا أنفسهم عربا ً ..!  
أخيراً ً: إن إسرائيل ليست صنيعة أمريكا كما يعتقد الكثيرين بل إن كلتاهما معاً صنيعتا المصرف الحر الرأسمالي. وأن العرب لم يخسروا الحرب إمام إسرائيل "القوية", بل نتيجة عمالة البعض ممن فضلّوا التآمر على العرب وتدمير سورية ومصر والعراق واليمن و ليبيا.... الخ, والجلوس تحت أقدام الأعداء أذلاء.
رغم ما وصل إليه العرب فإن حالهم ليست قدرية ونهائية فلا بد من النهوض ثانية وثالثة و ... إن البلاد العربية غنية بطاقاتها البشرية و الذهنية و ثرواتها و بموقعها الجغرافي و لم تكن الشعوب العربية محظوظة بأغلب قادتها الذين دفعوا العربة نحو الخلف وساروا بعكس الاتجاه.. وحاربوا سورية كوكلاء , وتصرّف بعضهم كأصلاء , لكن الوقت حان تنفض الأمة عنها قشورها وورقها اليابس وتظهر صخورها الصلبة التي يمكنها أن تقف عليها وتخوض غمار التحدي والمعركة.
لقد بدأت الصورة تزداد وضوحاً ً وبدأ الكل يبصرون و يرون أن القائد والرمز سيادة الدكتور بشار الأسد هو من يحمل راية الأمة العربية مجددا ً و وراءه كل الشعب العربي في معركة المصير والكرامة وتحقيق الذات , ولنا في الماضي القريب والحاضر عبرة ً , ولهم فيها عارٌ و رعبٌ وخوفٌ, أيا شعب أمتي ألا انتفض فقد انتهى زمن الهزائم وحان وقت الانتصار والمضي قدماً بإذن الله.
 المهندس : ميشيل كلاغاصي
1 \ 8 \ 2015

No comments:

Post a Comment