استهتر
الأمريكيون وأضاعوا زمنا ً ثمينا ً, وتصرّف الرئيس كمن لا دراية له , أو كمن لا يهمه
الأمر , ولم يطل الزمن حتى تصدرت أمريكا لائحة المصابين بفيروس كورونا المستجد , فيما
كانت بعض التقديرات تشير إلى إحتمالية تخطي عدد المصابين عتبة الـ 110 مليون إصابة
, ووفاة 585 ألف أمريكي, ادعى الرئيس الأمريكي بأنه لم يكن يتصور تطوّر الوضع بهذا
الشكل.
اعتقد
ترامب وصرح من دافوس في الإسبوع الثالث من كانون الثاني , بأن الوضع في الداخل الأمريكي
"تحت السيطرة" , وكرر كلامه حتى عندما وصل عدد الإصابات في إلى ثمانية اّلاف
إصابة , وفي نهاية كانون الثاني تحدث عن منع دخول المسافرين من الصين إلى أمريكا ,
لكن القصة بدأت بشكل فعلي بحلول الخامس من شباط , عندما بدأت الحكومة الأمريكية تشعر
بالخطر القادم , ووزعت أجهزة الفحص على جميع الولايات , لكن سرعان ما إكتُشفت أعطالها
وعدم دقتها , وبدأ الوضع بالتأزم وبدأ عدد الإصابات بالتضاعف.
وخلال
شهر شباط لم يتوقف ترامب عن إطلاق التغريدات
والتصاريح, وبأن "الفيروس سينتهي من تلقائه كالإنفلونزا", وأنه وحكومته يقومان
"بعمل رائع" – لم يراه أحد - , ومع حلول منتصف شهر اّذار, بدأ يتحدث عن ضرورة
الإعتزال في المنازل , بعدما كان يغرد بأنها مؤامرة من الحزب الديمقراطي, وفي لقاءٍ
إنتخابي قال أنها "خدعة - hoax",
ولم يتوقف عن إرسال رسائل الطمأنة , لكن الصحف الأمريكية أخذت تتحدث عن "كارثة"
قادمة لا محالة , وحذا حذوهم مركز الوقاية من الأمراض الأمريكي , وبعض الأطباء والمستشفيات
, وأنه لا بد من فعل شيء.
لم تقم
حكومة ترامب بإتخاذ إجراءاتٍ حاسمة , لكن تأثر البورصة , هدد رواية ترامب الوحيدة التي
أوصلته إلى الحكم , كرجلٍ غني سيملئ جيوب الناس بالمال , هبوطٌ أسقط الورقة الوحيدة
التي يعوّل عليها ليعبر الإنتخابات القادمة بسلام ... فيما فتح الأمريكيون عيونهم فجأةً
على فظاعة المشاهد القادمة من إيطاليا , والتي تسببت بحالات الهلع والخوف , ودفعتهم
نحو المتاجر وما تبعها من أعمال تكسير وسرقة ..وبدأت الشركات تطالب موظفيها بالمكوث
في المنازل , كذلك المطاعم قررت الإغلاق , وإتحادات الألعاب الرياضية بإيقاف نشاطاتها
, قبل أن يوقفها ترامب وحكومته ...
وتبقى
الخطورة في الحديث عن 110 مليون سيصابون بالفيروس , وحوالي 7.7 مليون سيحتاجون الدخول
إلى المشافي , مع العلم أن أمريكا تمتلك فقط 925 ألف سرير في جميع مشافيها , بالتأكيد
هذا سيشكل كارثة وإنهيار تام للمنظومة الطبية الأمريكية بالكامل , حتى حديث ترامب عن
مجانية الفحص لم ينجو من النفاق والكذب, وأنه هناك ملايين من الشعب الأمريكي لا يملكون
تأمينا ًصحيا ً, وتكلفة الفحص تقارب الـ 1330 دولار , وهذا يفوق قدرة أكثر من نصف الشعب
الأمريكي على الدفع , ناهيك عن وجود حوالي 40 مليون مشرد أمريكي.
وما
بين العداء أو المنافسة وتحميل المسؤولية التي دأب عليها دونالد ترامب تجاه سلفه أوباما
, ومع تصدر بلاده لائحة الدول وفق أعداد المصابين , أدرك ترامب أنه في مأزق كبير ,
داخلي بما يتعلق بمواجهة الوباء , وبضرورة إيجاد محفزات جديدة تدفع الأمريكيين إلى
ملئ صناديق الإقتراع بإسمه , بعيدا ًعن وعده
الشهير "أمريكا أولا ً" , و"مزاياه" الشخصية كرجل إعتقدوه سيملئ
جيوبهم بالمال ...
فيما
أتى المأزق الخارجي , ليفضح ضعفها الداخلي وهشاشة نظامها الصحي , وليفاقم هزائمها
, وهي ترى ضعف حلفائها في أوروبا , وتصدع علاقاتهم , وإتجاه الطليان والإسبان وغيرهم
نحو طلب المساعدات الروسية والصينية , بالتأكيد هي أمورٌ لا يمكن إعتبارها عابرة ,
لا بل سيكون لها أثرها العميق على رسم ملامح أوروبا والعالم الجديد , الذي لم تستطع
فيه أمريكا إطالة زمن بقائها على القمة , وبات عليها الركوع والخضوع لقوانين الحروب
بوجهيها الفوز والخسارة .
لقد
قبل ترامب المساعدات الروسية والصينية وهو صاغر أمام عنجهيته وضعفه وسوء تعاطي إدارته
مع غالبية الملفات الدولية , وفي بعض أقاليم العالم , وداخل بعض الدول , وشكر الرئيسان
الروسي والصيني , وعبر عن إمتنانه وشعبه , وقال: هذا لطيف ورائع" , " لقد
تعلمنا الكثير".
على
العالم أن يدوّن تاريخه , ويذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته , استغلا
زمن الكارثة "الكورونا" بإستمرار فرض العقوبات الإقتصادية الأحادية والحصار
على بعض الدول وبمضاعفتها , وبالضغط على البنك الدولي, لمنع بعض الدول من مساعدة شعوبها
.. يا له من سلوك بعيد كل البعد عن القانون الدولي ودساتير الأمم المتحدة , وإتفاقية
فيينا , وكافة المواثيق والأعراف المعنية بحقوق الإنسان .
لكم
أن تراقبوا كلام وسلوك ترامب وإدارته في زمن ما بعد الكورونا , ولكم أن تحكموا عليهم
إن تغيروا وتعلموا الكثير حقا ً, والعالم يرى
طائرات المساعدات الروسية تهبط في مطار
جون كنيدي , وهل سيسعون للكشف عن الفيروس الذي أطلق عليه ترامب "الكورونا – الصيني"
, وعمن يقف وراء إنتاجه , والمسؤول عن إنتشاره .؟
ويبقى
السؤال , هل استطاع فيروس الـ كورونا أن يوقف الحرب الباردة التقليدية التي استمرت
منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية , وهل استطاع لجمها في الثواني الأخيرة وقبل تحولها
إلى حروبٍ عالمية ساخنة , وهل يبدو من المبالغة
أو التسرع القول إن زمن الكورونا نجح بإغلاق صندوق باندورا الكبير, ومنح العالم فرصة
نادرة لرسم معالم العصر الجديد بهدوء وعقلانية , ووفق معايير جديدة أساسها العلاقات
الإنسانية – الأخلاقية , وسط قبول جميع المشاركين – الرسامين – ما سيؤول إليه المشهد
, وهل سيوقعون أسفل اللوحة..؟
أم سيكون
للحديث تتمة أخرى , لبدايةٍ لا تختلف كثيرا ًعن زمن ما قبل الكورونا ..؟
المهندس:
ميشيل كلاغاصي
2/4/2020
No comments:
Post a Comment