وعلى
مسافة عامين من الإنتخابات التركية , لا يبدو الحراك السياسي الداخلي يصب في صالح الرئيس
إردوغان وحزب العدالة والتنمية , مع الإنضمام اليومي لعديد القوى والأحزاب التركية
إلى جبهة المعارضة المناهضة لحكمه , والتي لا يمكن تصور نضالها بعيداً عن اللاعبين
الدوليين والقوى الفاعلة في الإقليم والعالم , حتى داخل التكتلات والأحلاف التي تشارك
فيها تركيا - إردوغان.
قد لا
يؤيد البعض نضوج وتبلور فكرة إبعاد الرئيس التركي وفريقه الحاكم عن الساحة السياسية
, لكن يبدو من المهم تصور نتائج الإخفاقات الإقتصادية والمالية لسياسته الداخلية ,
وتدهور الحريات وإمتلاء السجون بالمعارضين السياسيين والصحفيين وأصحاب الرأي ورجال
الشرطة والضباط والعسكريين تحت ذرائع حقيقية أو مختلقة , وسط تحميل المعارضة والشارع
التركي عموماً الرئيس وحكومته مسؤولية تدهور الحالة الإقتصادية والمالية وتبعات السياسات
الداخلية والخارجية الخطرة والخاطئة , التي ستنعكس حكماً على مستقبل الدولة التركية
بأكملها.
وبات
من الواضح تضعضع النظام التركي وتصاعد موجة الإنتقادات الداخلية ، ما دفعه لإطلاق مخالبه
لتطال المواطنين الأتراك العاديين أيضاً واتباع سياسة كم الأفواه وعقوبات السجن , على
الرغم من أنهم يسمعون ويرون بأم العين تدهور الحالة الصحية للرئيس إردوغان وكفاحه للنطق
ولتحريك ساقيه , ناهيك عن الشكوك حول صحته العقلية والشائعات التي تتحدث عن إصابته
بسرطان الكبد , وبنوباتٍ صرعية , وصعوبات في التنفس وتشويش ذهني , والعقاقير الطبية
التي يستخدمها لتخيف الرجفان , والاّثار الجانبية لها , بما يشمل مزاجية الإكتثاب وموجات
الغضب والعصبية ...
ونتيجة
للأوضاع الداخلية , وانخفاض شعبية الحزب الحاكم ورئيسه , والحملات الحكومية الطائشة
، تحركت بعض مراكز الإستطلاع المؤيدة والمعارضة للنظام التركي الحالي ( شركة أوبتيمار,
شركة عادل غور للأبحاث ، وشركات كوندا وسونار وغيرها ).. كما خلُصت في اّب المنصرم
استطلاعات مؤسسة "ميتروبول" المستقلة والأكثر شهرة في البلاد , إلى إعتقاد
53.7% من الناخبين الأتراك بأن حزب العدالة والتنمية سيفقد نفوذه كحزب حاكم في انتخابات
2023 , مقابل 37.8% ممن يعتقدون بقدرة الحزب على الإحتفاظ بالسلطة.
كما
جاء وفقاً لاستطلاع أجرته لجنة السياسة التركية في مركز "يونيليم" للأبحاث في أيلول الماضي ، أن 53% من المواطنين الأتراك فقدوا الثقة
في النظام الرئاسي , وسط تراجع مؤيدي الائتلاف الحاكم المكون من حزب العدالة والتنمية
وحزب الحركة القومية ، إلى 47% , فيما عبر 33% فقط عن ثقتهم بالرئيس إردوغان... وعلى
مستوى الحراك الحزبي الداخلي , عقدت أحزاب (الشعب الجمهوري ، الخير ، السعادة ، المستقبل
, الديمقراطي ، وحزب الديمقراطية والتقدم )، اجتماعاً في تشرين الأول تمت فيه مناقشة
استعادة النظام البرلماني في تركيا.
قد لا
يختلف حال النخب التركية الداخلية عن حال غالبية النخب الغربية , التي استطاعت تقييم
السلوك الشخصي والسياسي للرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية , والخطاب المليء بالشتائم
, والدور السيئ وسياسة المرواغة والنفاق والعداء والعدوان العسكري والتماهي التام مع
الإرهاب والإرهابيين , وبات من الصعوبة بمكان العثور على نعوت وأوصاف جيدة للرئيس إردوغان
في الصحافة الأمريكية والأوروبية , خصوصاً ما بعد الإنقلاب الفاشل عام 2016.
ولا
بد من الإشارة إلى دور الصحافة الأمريكية حول التدهور الكبير في صحة إردوغان , وما
نشرته الـ "فورين بوليسي" بقلم المعلق السياسي ستيفن كوك ومقاطع الفيديو
, التي تظهر إردوغان وهو ينام بشكل مفاجئ , والصعوبات التي يواجهها في المشي والنطق
, وعن المسكنات التي يحتاجها قبل إدلائه بالتصريحات العلنية ... كذلك ما نشرته
"لو بوان" الفرنسية , في مقال تحت عنوان "صحة إردوغان موضع تساؤل"
, حيث تناولت خطواته البطيئة وصعوبة نزوله الدرج واتكاؤه على ذراع زوجته .. ناهيك عن
تقرير صحيفة "إستيا" اليونانية في منتصف تشرين الأول بأن: "أيام إردوغان
باتت معدودة".. بالإضافة إلى هاشتاغ "إنه ميت" الذي نشر في 3 تشرين
الثاني على وسائل التواصل الإجتماعي التركي , وسارعت قوى الأمن للقبض على 30 مشتبهاً
بهم لإتهامهم ومقاضاتهم.
وفي
عصرٍ لا يمكن معه إبعاد الكثير من وسائل الإعلام عن التسييس , بالإضافة إلى تلك المعروفة
بالترويج والدعم خصوصاً في الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى , يمكن استخلاص
أن التركيز على تدهور الحالة الصحية للرئيس التركي وما يرافقها من إشاعات , يفتح مناقشة
ملف رحيله على مصراعيها , والتي يمكنها أن تلعب دوراً حاسماً في الإنتخابات التركية
المقبلة , وتساهم في تحقيق ما يصبو إليه أعداء إردوغان ومعارضيه داخل تركيا
وخارجها.
المهندس:
ميشيل كلاغاصي
12/11/2021
No comments:
Post a Comment