Friday, September 16, 2022

انعطافة إردوغان نحو دمشق خيارٌ تركي أم مسلكٌ إجباري؟ - م. ميشيل كلاغاصي


"انعطف" إردوغان , وتوقع أن ينعطف العالم لأجله , وأن تصدقه سورية وتقبل بشروطه , وتقضي على أعدائه من الكرد , وترحب بأصدقائه التكفيرين , وتنصاع واشنطن لرغباته بالخروج من سورية , ويتفرغ بنفسه لترتيب البيت الداخلي لسورية , وبتحديد شكل الدستور والتسوية السياسية فيها , وطريقة عودة اللاجئين إلى بلادهم , وربما بتجديد حلمه بالصلاة في المسجد الأموي بدمشق..! , وبتحقيق كل ما حلم به على مدى أكثر من 12 عاماً , بعيداً عن خوض عمليةٍ عسكريةٍ خامسة لا يعرف نتائجها سلفاً , لكنه لم يتوقف عن التهديد بشنها.

ومن حق السوريين أن يتساءلوا , هل حقاً تغير الرجل , وأصبح بإدعاءٍ مفاجئ , صديقاً للسوريين ,  ومن أشد الحريصين على وحدة الشعب والأراضي السورية , بعد عقد من اللصوصية والتتريك والإرهاب غير المسبوق الذي استجلبه من كافة أصقاع العالم , ودربه وسلحه , وقاده عبر أجهزة استخباراته , وقواته العسكرية الرسمية , وبعدما سرق المواطنين السوريين وغسل أدمغتهم بالأخونة وبالتطرف العثماني الإرهابي , وفاز بملايين الدولارات على أنها مساعدات إنسانية دولية لوجودهم على الأراضي التركية , ومارس بحقهم أفظع أشكال الإضطهاد والإعتداء على أملاكهم وحياتهم.

بالكلام وبعيداً عن الأفعال , أعلن تغيير بوصلته ولهجته تجاه دمشق وقيادتها , فتغيرت حباله الصوتية , وأصابها الإرتخاء , بعدما اعتاد العالم عموماً والسوريين خصوصاً على صراخه وتهديده ووعيده , يالها من إنعطافةٍ دراماتيكية , قادته إلى ابتلاع لسانه وهو يرى اليونان ترفع في وجهه سيف التحدي , دون أن يكيل الشتائم - كما كان يفعل في الماضي - بحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون , الذي هدد بالوقوف إلى جانب اليونان في حال تطور الصراع السياسي إلى عسكري.

انعطافة لم تدم سوى بضعة أيام , تحدث من خلالها إردوغان وعدة مسؤولين في نظامه والإعلام التركي عن تفاصيل ولقاءات أمنية استخبارية مع الجانب السوري , وامتلئت وسائل الإعلام بتحليلاتٍ وتصريحات على قاعدة "الحكي ما عليه جمرك" , لكنه عاد اليوم إلى لهجته السابقة , واتهم الدولة السورية "بعدم تطوير طريقة تعاملها مع التنظيمات الإنفصالية الإرهابية" , كذلك عاد إلى التهديد "بإطلاق عمليته العسكرية المزعومة في أية لحظة" , وأعاد طرح "أمنه القومي" في البازار الإعلامي.

من الواضح أن عودته إلى ما قبل الإنعطافة المزعومة , تعكس عدم الإتفاق والتوافق مع الدولة السورية , وبوجود خلافات جوهرية حول كافة النقاط المطروحة للنقاش , وبالسقوف العالية التي يحق لدمشق طرحها , وبحسب موقع أنتليجنس أونلاين , فإن الإجتماع الأمني بين الطرفين برعاية روسية "لم يسفر عن نتائج".

إن حديثه عن عدم تطوير دمشق طريقة تعاملها مع التنظيمات الإرهابية الإنفصالية , لا يسمح له بتجاهل فشل علاقته الحميمة بالقيادي الكردي صالح مسلم , التي لم تسفر إتفاقاً تركياً – كردياً , كذلك عدم حصوله على ضوء أخضر وموافقة أمريكية أو روسية أو إيرانية أو سورية , للقيام بعمليته العسكرية المزعومة , ولو حصل الأمران لما حدثت "الإنعطافة الإردوغانية" تجاه الدولة السورية أصلاً.

تأخر إردوغان وحكومة العدالة والتنمية في فهم الأسباب الحقيقية لرفض الولايات المتحدة ما تسمى "المنطقة الآمنة"، ولم يستوعب مشروع الولايات المتحدة التقسيمي في سورية , الذي يتعارض مع المشروع التوسعي العثماني الإحتلالي فيها , الأمر الذي سيجعل من المناطق التي يمكن أن يسيطر عليها الأتراك , جزءاً من الأراضي التركية والكيان التركي , ويمنع واشنطن من إقامة كيان سرطاني في شمال وغرب سورية , مشابهاً للكيان الإنفصالي الذي تدعمه في شرقها , على أن يكونا على غرار الكيان الإسرائيلي في جنوب سورية.

كذلك تأخر بفهم أن المشروع الأمريكي يطال الأراضي التركية أيضاً , خصوصاً في جنوبها الشرقي , حيث تتركز كثافة التواجد الكردي على الأراضي التركية , وحَصَرَ تفكيره بإستغلال ملف مزيج اللاجئين السوريين والإرهابيين في تركيا , وبدفعهم نحو أوروبا مع كل خلاف , متجاهلاً خطر وجود اّلاف الإرهابيين التكفيرين سواء كانوا سوريين أم عرب وأجانب , على الحدود التركية , وداخل المدن والأراضي التركية.

في وقتٍ تجد تركيا نفسها غير قادرة على ضبط تحركات وولاءات العديد من الإرهابيين , وبأن الفرصة التي منحتها واشنطن للإخوان المسلمين وما يسمى الجيش الحر, وكافة المجموعات والفصائل الإرهابية , والهياكل المسلحة التي تم تشكيلها وتجميعها تحت مختلف المسميات , الخاضعة أساساً لتركيا , قد انتهت , واختارت واشنطن الإعتماد على تنظيم جبهة النصرة بزعامة أبو محمد الجولاني , ومنحه فرصة تشكيل هيكلٍ سياسي عبر ما تسمى "حكومة الإنقاذ", وهيكل جيشٍ عسكري , لإظهار التنظيم على أنه كيان لدولة ناشئة , تكون قادرة على حكم منطقة إدلب بالكامل , وقد دفعته قبل أيام للقيام بإستعراضٍ عسكري , بمناسبة تخريج 300 ضابط ( إرهابي مسلح ) , من الكلية العسكرية التابعة لحكومة الإنقاذ.

بالإضافة إلى ذلك , تأخر الرئيس التركي بقراءة المتغيرات الإقليمية والدولية , كسقوط الإخوان المسلمين في المنطقة العربية ، وغياب الحديث عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ، وسط انشغاله بإسقاط ورقة اللاجئين السوريين من أيدي المعارضة التركية ، التي باتت بفضل الدعم الأمريكي تشكل تهديداً حقيقياً لمستقبله السياسي , مع إقتراب الإنتخابات الرئاسية التركية , وسط عمق الأزمات الداخلية نتيجة فشل السياسات الإقتصادية والمالية والإجتماعية لحكومة العدالة والتنمية , وتدهور الحالة المعيشية للأتراك وسط تراجع القيمة الشرائية لليرة التركية , وتضاعف نسب التضخم والبطالة , بالتوازي مع أزمات الغذاء والطاقة وإرتفاع الأسعار عالمياً.

لقد عمل الرئيس إردوغان وحكومته , خلال 12 عاماً , على إسقاط الدولة السورية , ونظام الحكم السياسي فيها , وإسقاط الرئيس بشار الأسد شخصياً , لكنه فشل فشلاً ذريعاً , وها هو اليوم يصارع للبقاء على سدة حكم تركيا , بعدما خذله أسياده في حلف شمال الأطلسي , وحساباته وأطماعه , ومن أحبهم من الإرهابيين , وباتت أوراقه على حافة السقوط , فحملها في إنعطافةٍ متعجرفةٍ يائسة نحو دمشق , ليتاجر بها قبيل سقوطها , وبات مستعداً لكشف أوراق أسياده وأدواتها , ومحذراً من "مخطط تقسيم المنطقة بعد تقسيم سورية والعراق" , واقفاً أمام أبواب دمشق والرئيس الأسد بإنتظار طوق النجاة السوري.

لقد أدرك الرئيس إردوغان أن فشل سياسته الداخلية أوصله نحو الأبواب الموصدة , وبأنه مجبر على تغيير سياسته الخارجية , والعودة إلى سياسة "صفر مشاكل" , واتباع الواقعية السياسية , التي تفرض عليه السير في حقول ألغام المصالح , الأمريكية , والروسية , والإيرانية , والأوروبية , والعربية , والسورية , على أمل تعويمه , وعليه تبدو الإنعطافة المزعومة مسلكاً إجبارياً وليست خياراً تركياً للرئيس إردوغان وحكومة العدالة والتنمية.

يبدو أن الزمن ومرور الوقت أصبح حاسماً لتجارة إردوغان وبيعه لأوراقه وأدواته , فثمنها اليوم سيتلاشى غداً وسيقدمها بالمجان , فهل ستقبل بها دمشق , وهي التي لا تفرق بين الإرهابيين الإنفصاليين وإرهابيي جبهة النصرة والجيش الحر , وما بين قوات الإحتلال التركي والأمريكي والإسرائيلي , وهي مصممة على استعادة سيطرتها وسيادتها على كامل أراضيها وبتحرير "كل شبر" , ودون ذلك قد تذهب نحو تأجيل الحل إلى زمن الرئيس التركي القادم بعد خسارة إردوغان المتوقعة في الإنتخابات القادمة , وتترك له خيار العزف منفرداً على اسطوانة العملية العسكرية المزعومة على الأراضي السورية , وتهديداته بترحيل اللاجئين والإرهابيين نحو أوروبا.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

9/9/2022

 

No comments:

Post a Comment