Friday, September 16, 2022

"شتاء" النخب والحكومات تحركات واشنطن العدائية تجاه روسيا والصين – م. ميشيل كلاغاصي

تعمدت واشنطن تجاوز الخطوط الحمراء الروسية وتهديد أمنها القومي , لإجبار موسكو على خوض المعركة العسكرية , وها هي تفعل الشيء ذاته مع بكين.  

من الواضح أن الاستفزازات الأمريكية للصين عبر البوابة التايوانية , عكست نمطاً مشابهاً لتلك التي استخدمتها لإستفزاز روسيا عبر البوابة الأوكرانية , وأنها مستمرة بوتيرةٍ تصاعدية , إلى أن تتحرك الاّلة العسكرية الصينية وتطرق أبواب تايوان.  

من خلال إدراك واشنطن عدم قدرتها على مواجهة الصين بشكل مباشر, وتقييد نشاطها العسكري حول تايوان , ألزمت نفسها بإعتماد الإستفزاز استراتيجيةً أساسية لهذه المرحلة , ولم تكتف بزيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان في مطلع اّب / اغسطس , وأتبعتها بزيارة عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي , لحث بكين على تسريع تنفيذ تهديداتها عبر التدخل العسكري المباشر لحماية أمنها القومي والحفاظ على وحدة الأراضي الصينية ومبدأ "الصين الواحدة", لكن القيادة الصينية لجأت لتنفيذ مناوراتٍ وتدريباتٍ عسكرية ضخمة , وكثفت من حضورها العسكري حول تايوان , أرسلت من خلالها غضبها وردها الحازم على تلك الزيارات الإستفزازية.

يبدو أن استراتيجية بكين بزيادة السيطرة العسكرية أجواء تايوان والأراضي المحيطة بها , تؤكد عدم رغبتها في احتواء واستيعاب كل ما يدور حول الجزيرة التايوانية , دون الحاجة إلى الإنجرار إلى عملية عسكرية مباشرة , فالدروس التي يستخلصها القادة الصينيون من الحرب على روسيا , قد تدفعهم نحو استراتيجية مختلفة عنوانها التفوق العسكري والإقتصادي , لكنها في الوقت نفسه , تحاول الوصول إلى ذات النتائج , وإلى تدمير عناصر القوة التي يتم تزويد الحكومة التايوانية بها , إن كانت سياسية أو إقتصادية أوعسكرية , لن تستطيع معها الإستفزازات العسكرية والسياسية الأمريكية بما فيها عبور السفن البحرية الأمريكية مضيق تايوان , منع بكين استثمار نشاطها العسكري لفرض سيطرتها بشكل متزايد على الجزيرة "المتمردة" , وإلى تطوير حالة الإستقرار السابق ونقلها إلى نموذج جديد , تكون فيه شروط بكين أكثر وضوحاً وصرامةً من ذي قبل.  

بات من الواضح أن الهمس الأمريكي , يدفع إدارة تايوان نحو إظهار إستقلالها عن الصين , من خلال توثيق العلاقات الخارجية , وإبرام الصفقات العسكرية والإقتصادية والتجارية , على هواها وكما يحلو لها , وبحرية تامة تكرس انفصالها عن الدولة الصينية , في تجاهل تام لمدى عمق إرتباط الإقتصاد التايواني بالإقتصاد الصيني , وهذا ما يمكن للإدارة الصينية أن تستغله لإفشال المخطط الأمريكي برمته , وبإخضاع الإنفصاليين دون اللجوء إلى عملية عسكرية , تبدو الصين مستعدة تماماً لمواجهة القوات المسلحة التايوانية , أو لأي تدخل غربي وأمريكي محتمل. 

ومن المستغرب أن تستفيد الصين من دروس الحرب الغربية على روسيا , ولا تستفيد منها حكومة تايوان ونخبها السياسية , وهم يرون أهداف واشنطن التي تتخطى تدمير أوكرانيا وتقسيمها , وبأنها لا تعدو أكثر من ذريعةٍ تستخدمها ضد روسيا , لقد بات من الواضح أن عملاء الإنفصال في تايوان لا يأبهون أيضاً بتدمير جزيرتهم , ويعولون على "استعداد واشنطن للدفاع" عنها وعنهم , ولا يرون أهداف واشنطن في محاصرة الصين وإلحاق الأذى بإقتصادها , ونسف خطوط شحنها التجاري البحري بإستخدام الورقة التايوانية.

إن المخطط الأمريكي - الغربي تجاه الصين , نسف العلاقات الصينية – الأمريكية , القائمة منذ أربعين عاماً , وأكد تجاوز واشنطن الخطوط الحمراء الصينية , وكشف اللثام عن جوهر سياسة "الغموض الإستراتيجي" الأمريكي , وعن أهداف الزيارات المتتالية , التي سعت لتطوير مختلف أشكال العلاقات الأمريكية مع تايوان , ودفعها نحو الإنخراط في العلاقات الدولية , على أنها دولة مستقلة , على حساب "الصين الواحدة".

وفي هذا السياق , قام وفد أمريكي ثالث بزيارة تايوان برئاسة حاكم ولاية إنديانا ، لبحث سبل التعاون الإقتصادي في إنتاج "رقائق السيليكون الإلكترونية" والتي تشكل عصب الصناعات التكنولوجية , وتكاد تنفرد بها تايوان في العالم , كذلك تم تشجيع اليابان على تطوير وتوسيع علاقاتها مع تايوان , وبالفعل استقبلت حكومة تايبيه عدة شخصيات سياسية يابانية , وبعض أعضاء البرلمان الياباني.

تبدو الإستفزازات الأمريكية وتجاوزها الخطوط الحمراء لكل من روسيا والصين , يؤكد عزم واشنطن القتال على جبهتين في اّن واحد , الأمر الذي يعكس هزائمها وعجزها في الحفاظ على "عرشها" وتفردها بقيادة عالم القطب الواحد , وتجد نفسها مجبرة على خوض المغامرات والمعارك السياسية والعسكرية والإقتصادية الخطرة , وإشاعة الفوضى القصوى , وإشعال ما أمكنها من الجبهات , ودفع أي مواجهة محتملة لأية أطراف , سواء كانوا حلفاء وشركاء أو أعداء , في محاولة لإضعاف الجميع وكسب الوقت لإستعادة مكانتها , ولجم وكبح العالم الناشئ الجديد متعدد الأقطاب بدعمٍ رئيسي من روسيا والصين.

من الواضح أن استراتيجية "الجنون الأمريكي" وقيادة اللعبة الخطرة , فصل إدارة بايدن عن الواقع , ودفعها بعيداً عن المصالح الأمريكية الحقيقية , وصم اّذانها عن سماع "الثعلب" هنري كيسنجر, وتأكيده عدم كفاية القدرات المالية والعسكرية الأمريكية الحالية , لتحدي روسيا والصين , وخوض القتال على جبهتين في اّنٍ واحد , وتقديم الدعم المالي والعسكري للنازيين الأوكران , وإنفصاليي تايوان , بالتوازي مع انخفاض احتياطي الأسلحة في المستودعات الأوروبية , وإنشغال القادة الأوروبيين ولهاثهم وراء تأمين الغاز المسال وبناء البنى التحتية لإستقباله , وملئ خزانات الغاز ومستودعات الأغذية , تفادياً لمواجهة غليان الإحتجاجات و"شتاء الحكومات" أكثر من منها لمواجهة البرد و"شتاء الشعوب".

في الوقت الذي ينهمك فيه المجمع الصناعي الحربي الأمريكي , بجني الأرباح , وبإنتاج الأسلحة الضرورية لإستمرار المعركة العسكرية في أوكرانيا , ولرفع مستوى التصعيد العسكري وإفتتاح المعركة الموازية في تايوان.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

13/9/2022  

 

No comments:

Post a Comment