لم تكن برقية الرئيس الصيني شي جين بينغ , التي أرسلها
لتهنئة الرئيس بشار الأسد بفوزه في الإنتخابات الرئاسية , برقية تهنئةٍ تقليدية
ولا عادية , وتستحق الوقوف عندها , وقراءة مفرداتها وأبعادها الحالية والمستقبلية ... خصوصاً وأنها تأتي بعد تهنئة وزارة
الخارجية الصينية للرئيس الأسد , التي أكدت استعداد بكين لمساعدة دمشق في الدفاع
عن سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
لقد ركّز الرئيس الصيني في برقيته على عدة نقاط رئيسية , تشكل بطبيعتها
عناويناً رئيسية تتسم بأهمية بالغة في وقتنا الراهن , وسط المعارك الجيو- سياسية
التي تعصف بالمنطقة والعالم , وتشكل تحدياً كبيراً للغطرسة والهيمنة الأمريكية
ولاّلتها العسكرية وعقوباتها وحصارها الإقتصادي اللاقانوني على الدولة والشعب
السوري :
1- ركز على تاريخية علاقات الصداقة بين البلدين
2- وعلى تطوير العلاقات الدبلوماسية الثنائية , والارتقاء بالتعاون البيني إلى مستويات جديدة.
3- أكد استعداده للعمل مع الرئيس الأسد , لتحقيق إنجازات كبيرة في العلاقات
بين البلدين.
4- أكد دعم بلاده القوي لسوريا , لحماية سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها
.
5- أكد دعم بلاده لسوريا في مواجهة جائحة الكورونا.
6- أكد دعم بلاده لإعادة تنشيط الإقتصاد السوري , وتحسين رفاهية الشعب
السوري.
من الواضح أن لغة البرقية ومفرداتها تعكس نوعية العلاقات المميزة
بين البلدين , والتي انطلقت منذ عمق التاريخ واستمرت حتى يومنا هذا , عبر تماكبٍ
تاريخي استمد عراقته عبر ما يعرف بطريق الحرير , الذي كانت ولا زالت الصين تشكل
فيه نقطة البداية والإنطلاق , فيما شكلت سوريا نقطة تلاقي القوافل والحضارات
والقارات ، الأمر الذي أسس لتاريخ طويل من التبادلات التجارية بين البلدين الصديقين
, وإلى تطوير العلاقات الثنائية , ولتعزيز الحوار الحضاري بينهما.
كما تأتي برقية الرئيس الصيني , في سياق ما تم بناؤه عبر
/65/ عاماً من العلاقات الثنائية , والتي شكلت فيها زيارة الرئيس الأسد إلى الصين
في العام 2004 , حدثاً مهماً في تاريخ هذه العلاقات لتكون علاقة شراكة في جميع المجالات
وأحدثت نقلة نوعية حيث اختصرت المسافات بين البلدين وطورت التعاون في مختلف
المجالات السياسية والإقتصادية , وتم خلالها التوقيع على العديد من الاتفاقيات لتوسيع
التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وزيادة الاستثمارات والمشروعات المشتركة بين البلدين
, الأمر الذي انعكس على ارتفاع حجم التبادل التجاري بينهما إلى ما يقارب الـ 50 مليار
ليرة سورية , ما قبل الحرب على سوريا.
وتكمن أهمية البرقية , بأنها تشكل دعماً كاملاً للدولة والشعب والرئيس
الأسد , في وقتٍ تتعمد فيه الولايات المتحدة الأمريكية عدم الإعتراف بالإنتخابات
الرئاسية وبنتائجها , واستمرارها بتعميم وإطالة أمد الفوضى والحرب على سوريا ,
ومحاولاتها الدؤوبة لهز وزعزعة إستقرار سوريا , التي تشكل بطبيعتها وبموقعها
الجغرافي ودورها الحضاري والجيو سياسي , نقطة توازن المنطقة والعالم ..
ويأتي الدعم الصيني لسوريا ليشكل رد الفعل الطبيعي المساوي والموازي
والمعاكس بالإتجاه للقوة والضغوط الأمريكية , ولدعم التوازن الجيو سياسي السوري
ومن خلاله لإستعادة توازن الإقليم والمنطقة والعالم .
ويمكن للمتابعين قراءة الموقف الصيني من الحرب على سورية منذ العام 2011 ,
وكل ما قدمته بهدف إحتواء التوحش والإرهاب الأمريكي ولجمه , ومنح السوريين فرصة
مداواة الجروح , وإعادة ترميم الأسوار الخارجية , وإعمار ما تهدم , من خلال
إحترامها للصداقة وللعلاقات التاريخية والإنسانية التي تربطها بالدولة والشعب
السوري , وحرصها على سيادة القانون والأمن والسلام الدولي .
بالتأكيد سيكون للحضور القديم – الجديد للصين في دعم سوريا سياسياً
وإقتصادياً , بعداً يتخطى الحدود السورية , ليشمل بعض الدول العربية وجمهورية
إيران الإسلامية , فطريق الحرير الذي تتمسك به بكين , تمر خطوطه التاريخية عبر
تبريز الإيرانية وصولاً إلى الموصل العراقية وحلب السورية , وتلتقي بالقوافل
القادمة من شرق أوروبا وتحديداً من المحيط الأوراسي وقلبه موسكو , ويشكل بمجموع
دوله وشعوبه طريق السلام والإزدهار الإقتصادي والتلاقي الحضاري والإنساني , وستكون
قوة الدولة الصينية عاملاً مساعداً تضاف إلى قوة الحضور الإيراني والروسي الداعمين
لإستقرار سوريا وحفاظها على سيادتها ووحدة أراضيها وإستقلال قرارها السياسي .
من المؤكد أن ترجمة برقية الرئيس الصيني الفعلية , وكافة
"البرقيات" الروسية والإيرانية , ومقاومي محور المقاومة , ستساعد شموع
الأمل التي أضائها الرئيس بشار الأسد وربطها بالعمل , وستساعد الدولة والشعب
السوري على بلوغ مبتغاه وتحقيق اّماله وطموحاته في زوال الإحتلال , والقضاء
النهائي على ما تبقى من بؤر الإرهاب على الأراضي السورية , وبالعودة إلى الإستقرار والأمن والسلام الذي
افتقده السوريين , بفضل المخططات الصهيو أمريكية الخبيثة , وسكاكين الغدر والتاّمر
والخيانة والإرهاب التي إعتمدت عليها واشنطن كإستراتيجية لتنال منهم ومن دولتهم ,
لكنها فشلت وتحطمت وحشيتها وخبثها على أبواب دمشق وكافة القلاع السورية , لتبقى سوريا
ويبقى طريق الحرير لينقل ياسمينها وأغصان زيتونها إلى كافة أنحاء العالم.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
12/6/2021
No comments:
Post a Comment