Friday, June 3, 2022

واشنطن والصين .. هزيمة الذئب الجريح - م. ميشيل كلاغاصي


منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ، قامت واشنطن بالإعتماد على هيمنتها وطاعة "حلفائها" الأوروبيين  والتحاقهم بسياستها الخارجية ، بإطلاق شرارة الحرب على روسيا عبر البوابة الأوكرانية ولاحقاً السويدية والفنلندية ، مما أجبر روسيا على شن عملية عسكرية خاصة لحماية أمنها القومي ومصالحها وشعبها , وفي الوقت ذاته تتجه نحو تصعيد الإستفزاز تجاه الصين , بما يؤكد مخططها بإشغال القارة الأوروبية وروسيا , والإنطلاق نحو معركتها الرئيسية وعدوها الأول وهو الصين , من خلال تحديد أهدافها ومخاوفها ومزاعمها من تنامي القوة العسكرية والإقتصادية للصين , بإعتبارها تشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

ولأجل هذا الهدف , وعبر السنوات العشر الماضية , لم تأن الإدارة الأمريكية جهداً أو مناسبة للدفع بمخططها الخبيث تجاه الصين , واعتمدت الإستفزاز وسيلةً مباشرة لتسخين الأجواء , وعرقلة تنامي القدرات الصينية الإقتصادية والسياسية التي تقودها نحو قيادة العالم , وإلهائها بحروبٍ جانبية , من البوابة التايوانية , وبتحويلها إلى حرب أوسع مع تقدمها بحشد "حلفائها" الاّسيويين , وبما يمكنها من الدفع بالناتو والأسلحة نحو الشرق الأوسط والقارة الاّسيوية برمتها , وحيث تستطيع منافسة الصين عبر العلاقات الثنائية مع بعض الدول الاّسيوية , لكنها لم تستطع حتى اللحظة منافستها في الإطار الاّسيوي ورابطة دول الاّسيان.

وفي هذا السياق , بدأ الرئيس الأمريكي اليوم الجمعة 20/أيار, جولةً اّسيوية يلتقي فيها قادة اليابان وكوريا الجنوبية والهندي واستراليا "لتعزيز العلاقات"– بحسب البيت الأبيض - , في وقتٍ اعتبرت الخارجية الصينية أن الزيارة تشكل "استفزازاً علنياً , يهدف إلى إضعاف النفوذ الصيني". 

وسارعت للعمل على تطوير قدراتها العسكرية وحضورها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ , وتعزيز تعاون قوات مشاتها البحرية ، مع القوات المسلحة لبعض الدول الحليفة في المنطقة من أجل معارضة بكين.

واستطاعت العام الماضي , التوصل إلى إتفاقية "أوكوس" الأمنية , مع استراليا وبريطانيا , في مسعى مباشر لتقويض التوازن الهش في منطقة آسيا والمحيط الهادئ , مستغلةً وجود بعض الخلافات الحقيقية حول بعض القضايا , كالإمتعاض الأسترالي - بتحريضٍ أمريكي - من توقيع الصين وجزر سليمان إتفاقيةً أمنية.

كذلك استثمرت واشنطن استفزازاتها للصين , عبر إجراء تدريباتٍ ومناوراتٍ عسكرية مشتركة أجرتها مؤخراً مع القوات الفلبينية , شارك فيها الفوج البحري الثالث , ومشاة البحرية , والقوات البحرية , من خلال محاكاة مشهد محتمل لهجومٍ صيني لإقتحام الجزر المتنازع عليها في المنطقة , ركزت فيها تلك التدريبات على الحركة والنقل السريع للجنود والمقاتلين من جزيرة إلى أخرى.

تحاول السلطات الأمريكية أيضاً , اقتباس وتطبيق تجربتها في الصراع الأوكراني على تايوان , ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن تطوير القدرات الدفاعية التايوانية اكتسب أهمية إضافية منذ "الغزو الروسي" لأوكرانيا , في وقتٍ يحاول فيه الأمريكيون تحديد ما إذا كانت القوات المسلحة التايوانية ستكون قادرة على مواجهة القوات الصينية , على غرار ما أظهره الأوكرانيون في مواجهة القوات الروسية , وعبّر الوزير بلينكن عن رغبة بلاده بتأكيد قدرة تايوان و"إمتلاكها وسائل الدفاع عن نفسها" , لتتمكن من إعلان نفسها دولة مستقلة. 

ومع إختلاف بيئة الحرب الإستراتيجية ما بين أوكرانيا وتايوان , يبدو تعويل واشنطن يرتكز على إشعال النار على طول الحدود الصينية , وبأن الغرب معنيٌ ومسؤول عن أمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، وضرورة تواجد قوات الناتو في بحر الصين الجنوبي , وهذا ما يحاول ترويجه قائد الناتو ينس ستولتنبرغ , ووزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس وآخرون , و"ضرورة نقل خط الدفاع التالي إلى بحر الصين الجنوبي" , في وقتٍ , يدرك فيه الروس خطورة هذا التحرك , وسبق لهم التحذير من خطورة السلوك الأمريكي وتحالف "أوكوس" في منطقة بحر الصين الجنوبي.

لا يمكن الإستهانة بالمخططات الأمريكية وبخطورتها على الصين والدول المحيطة , بل على العالم أجمع , وسط تحركاتها وتحضيراتها السريعة , ومحاولاتها لتعزيز علاقاتها الثنائية مع عديد الدول الاّسيوية , وإخضاع الرافضين منهم لأوامرها عبر الترغيب التجاري والإقتصادي والمساعدات العسكرية , أو عبر الترهيب والتهديد , في محاولة واضحة لقطع طريق مشروع الحزام والطريق , وأقله لوضعه تحت مرمى نيرانها وأدواتها , إما بالوكالة أو بالأصالة , على غرار حربها على روسيا , والساحات التي تستطيع إشعالها أيضاً.

وسط إدراكٍ ومراقبةٍ روسية – صينية مشتركة , للمخططات الأمريكية , لا بد من الحفاظ على وحدة الصف وتأكيد العلاقات الإستراتيجية بينهما , وسط إعلان عشرات الدول إنتقادها للهيمنة الأمريكية (على سبيل المثال البرازيل , الأرجنتين , فنزويلا , كوبا , إيران , سورية واّخرون )، وتحوّل أنظارهم نحو الصين على أنها المنقذ الإقتصادي لضمان استعادة استقرارهم الداخلي , فالولايات المتحدة ليست قدر الشعوب والدول , وهزائمها العسكرية والسياسية في عديد الجبهات , تؤكد أنها الذئب الجريح وليست الذئب الذي لا يمكن النيل منه.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

20/5/2022

صحيفة تشرين

 

No comments:

Post a Comment