Friday, June 24, 2022

تركيا وصراع الناتو ومنظمة الأمن الجماعي - م. ميشيل كلاغاصي


لا يمكن النظر إلى حلف شمال الأطلسي على أنه الكتلة والقوة العسكرية الوحيدة في العالم , ويمكن الإعتماد على تقييم كتلة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي ككتلة تكاد تكون موازية , بإعتبارها تضم دولاً تتمتع بقوة عسكرية هامة , كروسيا وبيلاروسيا وأرمينيا , إلى جانب كل من طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان الذين يعتبرون أعضاء كاملي العضوية , وبعض الأعضاء بصفة مراقبين , واّخرين مرشحين محتملين كإيران.

ففي اجتماع لمجلس الجمعية البرلمانية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في العاصمة الأرمينية مؤخراً ، أشار رئيس البرلمان القيرغيزي , إلى أن نظام استجابة المنظمة للأزمات ومواجهة تصاعد التحديات والتهيدات الأمنية يشكل عنصراً أساسياً لنشاطها ، بما في ذلك محاربة الإرهاب الدولي والتطرف ، كذلك أشار إلى حاجة الدول الأعضاء إلى تعميق التفاعل لضمان الإستجابة في الوقت المناسب , وشدد على ضرورة تركيز جهود المنظمة ليس على مواجهة التحديات والتهديدات الأمنية فقط  بل و"القضاء على أسباب حدوثها" , واقترح إنشاء هيكل عسكري سياسي كامل على أساس منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

كذلك , أشار وزير الخارجية الروسي ، إلى أن دول الناتو تشعر بالقلق من تزايد أهمية منظمة معاهدة الأمن الجماعي , وأكد على ضرورة قيامها بدور الـ "ضامن للتوازن في المنطقة الأوروبية الأطلسية" ، وعدم تجزئة الأمن.

وفي السادس عشر من أيار ، عُقد اجتماع لرؤساء دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي في موسكو أشار خلاله الرئيس الروسي إلى أن "توسع الناتو مصطنع ، ويتخطى هدفه الجغرافي" ، في محاولة للتأثير على مناطق أخرى , وأشار إلى أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي "تلعب دوراً مهماً للغاية في تحقيق الإستقرار في الإتحاد السوفيتي السابق" ، الأمر الذي يشجع دول أخرى على "التفكير بالإنضمام إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي ، التي تتمتع بقدرات كافية للرد على التحديات المتمثلة بتوسيع حلف شمال الأطلسي".

ومع ذلك ، يواصل "القطيع الغربي الأوروبي" محاولاته مواجهة تأثير المنظمة , عبر إشغال أعضائها بأمنهم , كذلك بتحويل تركيا بوصفها رأس حربة الناتو إلى رافعة للنفوذ المعادي لروسيا , عن طريق التصعيد في ناغورني كاراباخ ، وقد حاولت أنقرة ، بناءاً على طلب بروكسل وواشنطن ، القيام بدور نشط في حل هذا الصراع ، عبر استغلال طريقة تدخل موسكو الفاترة في نتائجه ، وحاولت طرح مقايضة التحالف العسكري لدول المنطقة معها , مقابل قبول عضويتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

وبهدف تعزيز أهميتها في المنطقة ، ضخت تركيا إستثماراتها وأرسلت الخطباء , وافتتحت مراكز للبرامج التعليمية على مساحة منطقة اّسيا الوسطى , وعممت مصطلحات ومفاهيم "الأوزبك الأتراك" و "الأتراك التتار" و "الأتراك القرغيزيين" في وسائل إعلامها , وبدأت تتحدث عن "العالم التركي" ، وأنشأت "المجلس التركي" ، بالتوازي مع تكثيف نشاطها في نشر أفكار القومية التركية , كمن يبحث عن خلق هوية قومية عرقية جديدة وبديلة لجمهوريات ما بعد الإتحاد السوفيتي ، واستبدال مجتمع المنطقة الأصلي بمجتمعٍ جديد مزيف تحت القيادة التركية.

كذلك اتجهت تركيا نحو بيع الأسلحة لدول آسيا الوسطى , لتكريس فكرة أنها قادرة على ضمان القدرة الدفاعية للدول التي تدور في فلكها الإيديولوجي والإجتماعي والإقتصادي والعسكري .. وبذلك تحاول فتح الطريق نحو مشروع إردوغان المعروف بإسم "طوران العظيم" لإستعادة أراضي الإمبراطورية العثمانية , من خلال التركيز على قرغيزستان وطاجيكستان , لإنشاء جيشٍ موحد للمشروع الطوراني , وبهدف انتشال وسحب هذه الدول من منظمة الأمن الجماعي وإضعاف الإتحاد الأوراسي عسكرياً وإقتصادياً.

وكما حدث في الماضي , ولأجل صناعة تهديد دائم ومستمر لروسيا , قامت بريطانيا بصناعة الإمبراطورية العثمانية , واليوم تقوم كل من لندن وواشنطن بإستخدام تركيا كعضو في الناتو ، لمواجهة روسيا ، وخاصة في منطقة آسيا الوسطى ، من خلال طرح إردوغان لفكرة "طوران العظيم" , الذي يفترض به أن يكون قادراً  على إحداث تغييرٍ جذري في توازن القوى الدولي.

لهذه الغايات يتحمل الغربيون قذارة التعامل مع الرئيس التركي وحكومته , ويتألمون لرؤية "ناتو اّسيوي" تحت القيادة التركية , فالعداء للدولة الروسية يجعلهم غير قادرين على تحديد مصالح شعوبهم , وغير قادرين على ضمان الوفاء التركي – الإردوغاني لمخططاتهم , وسط عدم الإرتياح الأتراك لوجودهم في الناتو , ووسط انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين.

وفي خضم هذه الأجواء , بتنا نسمع بعض حلفاء أنقرة الأطلسيين , يتحدثون عن الحاجة إلى استبعادها من الحلف , ويتابعون إتصالاتها الإيجابية مع روسيا عن كثب ، الأمر الذي يساهم بدفع بتركيا للتخلي عن دورها التاريخي المناهض لروسيا , بتأكيد الرئيس التركي وتصريحاته مؤخراً حول عدم استعداد تركيا للمشاركة في سياسة العقوبات المناهضة لروسيا التي تفرضها واشنطن.

المهندس: ميشال كلاغاصي

17/6/2022

 

No comments:

Post a Comment