Friday, February 11, 2022

ماكرون يحلم أن يكون صانعاً للسلام عبر البوابة الأوكرانية - م. ميشيل كلاغاصي


من خلال لقاءٍ احتاجه وأراده أن يكون تاريخياً , وبكلماته العاطفية المنمقة , وعلى وقع سحر العاصمة موسكو , عاش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ساعات رائعة وواعدة في ضيافة الرئيس الروسي فلايديمير بوتين .. في وقتٍ لم تستطع فيه الساعات الستة للقاء الرئيسين , أن ترفع المستوى المنخفض للتوقعات ونتائج الزيارة الذي كان سائداً قبل اللقاء , أما بعد بعد اللقاء , اعتبر الكثيرون أن الرئيس بوتين أضاع وقته , وكسب تكراراً لمواقف بلاده.

استغل الرئيسان الروسي والفرنسي لقائهما في الكرملين بالأمس , لحل الكثير من الأمور العالقة بين البلدين , وأرادها الفرنسي أن تكون زيارةً تاريخية , قبيل الإنتخابات الفرنسية , ومن بوابة الأزمة الأوكرانية , ومحادثاته في موسكو ومن ثم في كييف.

فقد ثمن الإعلام الغربي اللقاء بين بوتين وماكرون , واعتبره أهم لقاء يعقد حول "أمن أوروبا" , حيث أشارت لوفيغارو إلى أنه "اللقاء الأهم لمستقبل أوكرانيا وأمن أوروبا" , ورأت الـ نيويورك تايمز أنه "غير عادي" من حيث المدة والشكل , بتأكيد الصحف الروسية بأن "القادة تحدثوا وجهاً لوجه" , فيما وكتبت بوليتيكو: "دخل ماكرون إلى عرين الدب وتمزق إلى أشلاء".

فمن الأهمية بمكان بالنسبة للرئيس الفرنسي عقد هكذا قمة قبيل الإنتخابات الرئاسية الفرنسية , والتي قد تساعد في جلب أصوات الفرنسيين يوم الإقتراع أكثر فأكثر , خصوصاً وأنه بحسب استطلاعات الرأي , لا يحظى بنسبة تأييدٍ شعبي كبيرة , بفضل سياساته الداخلية التي ألغت في الظروف الصعبة عدداً من المكاسب الإجتماعية , وكذلك وعوده بإصلاحاتٍ إقتصادية لم تُنفذ بعد , كذلك الأمر بالنسبة لسياساته الخارجية , التي تنساق وراء الخيارات الأمريكية , والسلوك الفرنسي في مالي وعموم القارة الأفريقية.. أمورٌ هامة تركها ماكرؤون خلفه , وجاء ليمنع "الهجوم الروسي الوشيك" على أوكرانيا.! حالماً بجني حصاد سياسي وأكاليل الغار على أنه "صانع السلام".

وبعد ثلاث محادثاتٍ هاتفية خلال الإسبوعين الماضيين , اتجه الرئيس الفرنسي , اتجه إلى موسكو , على أمل أن يعلن هو والرئيس بوتين السلام في أوكرانيا , وليس الرئيسين بوتين وبايدن... وقد تحدثت الفايننشال تايم عن صفقة روسية – فرنسية , تسحب موسكو من خلالها حوالي 30 ألف جندي من بيلاروسيا بعد نهاية التدريبات المقررة في 10 – 20 شباط / فبراير , لكن الرواية الأمريكية لم تتوقف هنا , بل تحدثت عن هجوم روسي بعد إنتهاء أولمبياد بكين وتحديداً من الأراضي البيلاروسية.

ومن خلال المؤتمر الصحفي , أهم ما قيل هو أن المحادثات كانت "بناءة" و"مفيدة" , ولم يتطرق أحدهما للإعلان عن التوصل إلى إتفاق حول هندسة الأمن في أوروبا الشرقية وتوسع الناتو شرقاً , ففي الوقت الذي تدرك فيه موسكو ضرورة الحوار مع فرنسا , إلاّ أنها تدرك ضرورة الحوار مع دول أخرى, وبحسب المتحدث بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف :"فرنسا عضو في الاتحاد الأوروبي ورئاسة الاتحاد , وفي الناتو , والقيادة تنتمي إلى دولة مختلفة تماماً في هذه الكتلة" , ويقصد دول تحالف أوكوس وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية , وعليه قال الرئيس بوتين لضيفه :"لا أعتقد أن حوارنا ينتهي هنا" , في حين شدد ماكرون على أنه لا يتوقع نتائج فورية للمحادثات في موسكو.

لذلك ، استخدم فلاديمير بوتين المؤتمر الصحفي , للحديث عن موقف روسيا حيال توسع التحالف ، وخاطب الولايات المتحدة والشعب الفرنسي والعالم الغربي ككل من خلال الرئيس ماكرون , خصوصاً مع تجاهل واشنطن وبروكسل لمخاوف موسكو الحقيقية نتيجة إقتراب الناتو من الحدود الروسية .

كما لفت الرئيس بوتين نظر ضيفه, إلى أن القيادة الأوكرانية توجهت إلى الإنتخابات تحت شعار حل القضية في دونباس سلمياً , لكنها لم تكن مستعدة للإمتثال للإلتزامات المنصوص عليها في حزمة تدابير واتفاقيات مينسك لقادة الـ "نورماندي" التي تم التوصل إليها في مؤتمري باريس وبرلين , كذلك لفت إنتباهه إلى الإنتهاكات "الجسيمة الممنهجة" لحقوق الإنسان في أوكرانيا , وإغلاق وسائل الإعلام غير المرغوب بها , وإضطهاد المعارضين السياسيين , وحدثه عن قلقه من التمييز الذي يتعرض له الأوكران الناطقين باللغة الروسية , وعن حرمانهم من الإعتراف بهم كشعب أصلي يعيش على أرضه الأصلية.

لقد كان الرئيس بوتين شفافاً وصريحاً مع ضيفه , تحدث عن فرضية انضمام أوكرانيا إلى الناتو وقرارها بإعادة شبه جزيرة القرم ، فإن الدول الأوروبية ستنجر عبر الناتو إلى صراع عسكري مع روسيا ، وهي إحدى القوى النووية الرائدة , وتساءل هل علينا أن نحارب الناتو , وهل تريد فرنسا أن تحارب روسيا !.

ومن حيث النتيجة , استغل الرئيس ماكرون القمة , ليصور نفسه على أنه صانع السلام الناجح , فيما حاول الرئيس بوتين تأكيد وتعزيز مفهومه لبنية "الأمن الأوروبي" , وسط استغلال واشنطن والناتو للبنى التحتية لدول الناتو الغربية والتوسع نحو دول الشرق الأوروبي , والتسلل إلى حدود 1997.  

انتهت قمة بوتين – ماكرون وسط شعورهما بالرضا , مع اختلاف نواياهما وأهدافهما , ولم يقدم الرئيس بوتين لضيفه شيئاً خاصاً , ولم يبيعه إنتصاراً , يمكنه من النجاح في زيارته الفورية نحو كييف , بتأكيد ماكرون وبقوله: "لم أعول على أي إشارات", على رغم من إشارة الرئيس بوتين إلى وجود طروح إيجابية لكنه يخفيها إلى أن تحين اللحظة المناسبة وتتغير فيها مواقف واشنطن والناتو وتصريحات الرئيس الأوكراني , كتلك التي عبر فيها عن عدم إعجابه من بنود إتفاقية مينسك , ومن صعوبة تقبل موسكو للتسويات , واكتفى بوتين بالتعليق عليها :"أعجبني , لم يعجبني , يجب التحلي بالصبر, يا جميل" ,

سيتعين على الرئيس الفرنسي أداء الجزء الثاني من مهمته في كييف , ومن خلال المحادثات والمفاوضات مع زيليسكي , وقد يتعين عليه – لإثبات قوته – إتخاذ القرار السعيد وإعلانه من كييف , أو الإعلان عن وصول الجهود الفرنسية ومن تمثله أيضاً إلى الطريق المسدود , ويترتب عليه لفلفة أوراقه والعودة إلى فرنسا بخفي حنين , والتوقف عند حدود رغبته بصنع السلام الذي لم يتمكن من تحقيقه في الملف والأزمة الأوكرانية , والتنازل عن اللقب للرئيس الأمريكي جو بايدن لاحقاً.

لم يهدر الرئيس ماكرون الوقت , ووصل كييف , وأكد بعد لقاء نظيره الأوكراني , إلتزام أوكرانيا بوقف إطلاق النار في دونباس , وأن خفض التوتر بات ممكناً , فيما عقد الرئيس الأوكراني اّماله على عقد قمة رباعية , تجمعه مع قادة روسيا وفرنسا وألمانيا , تلعب فيها فرنسا والرئيس ماكرون دوراً فعالاً , يكون أساسها الإتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال قمة باريس عام 2019 في إطار النورماندي , الأمر الذي شجع ودفع ماكرون للإعلان عن لقاء مستشاري النورماندي السياسيين الخميس المقبل , وعليه أصبح الطريق مفتوحاً أمام لقاء ماكرون والمستشار الألماني شولتس الذي التقى الرئيس جو بايدن قبل ساعات قليلة.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

2022/2/9

 

No comments:

Post a Comment