Friday, February 11, 2022

الأوهام الأمريكية تقودها نحو الهزيمة في محادثات فيينا والشرق الأوسط - م. ميشيل كلاغاصي


إلى أي مدى أصاب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عندما وصف عودة المحادثات مع إيران حول الملف النووي الإيراني بأنها " لحظة حاسمة" , وبدا الأمر لبعض الوقت وكأن إدارة الرئيس بايدن مستعدة لتحمل المسؤولية الكاملة عن التداعيات الخطيرة التي عصفت بالعلاقات الدولية , جراء إنسحاب إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب عن الإتفاق النووي الإيراني الدولي.  

لكن عوضاً عن ذلك ، تمسك الوزير بلينكن بالنهج السياسي الأمريكي العدواني , الذي دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تبنيه تجاه إيران منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، وهدد إيران بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في الأسابيع القليلة المقبلة ، فقد تضطر واشنطن وحلفاؤها إلى تغيير تكتيكاتهم , بعبارة أخرى ، فإن إدارة بايدن مستعدة لفرض عقوبات أكثر صرامة على الإيرانيين ، واللجوء إلى القوة من أجل الضغط على طهران لدفعها نحو الإستسلام والقبول بقرار تمليه واشنطن.

تبدو آمال جو بايدن وأحلام إدارته الواهية , بعيدة كل البعد عن الحقائق ومنفصلة تماماً عن الواقع , ليس بما يتعلق بقوة الدولة الإيرانية السياسية والعسكرية والتفاوضية , بل بما يتعلق بالعديد من حقائق ومعادلات الشرق الأوسط برمته , الذي انسحبت منه دفعات الجنود والمارينز الأمريكيين عبر السنوات القليلة الماضية , في وقتٍ تحصد فيه الدولة الإيرانية النجاح تلو النجاح , بدءاً من سياساتها الداخلية التي بنت مجتمعاً متطوراً , استطاع النهوض بقدرات البلاد ووضعها في أعلى المراتب العلمية والصناعية والتجارية والسياسية والعسكرية , في الوقت الذي لم تبارح فيه أرضها , ولم تحرك اّلتها العسكرية للعدوان على الدول وإسقاط أنظمتها بالقوة , ولحصار الدول والشعوب وتجويعها , كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية.

على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية ، تمكنت إيران من تطوير وتعزيز علاقاتها مع العراق , وهو البلد الذي غزته ودمرته الولايات المتحدة , ولا زالت تحاول الإلتفاف على إتفاقية خروجها وإنسحابها منه , وتستنجد بتنظيم "داعش" الإرهابي , كي تبقى كفوة إحتلال عسكري على أراضيه ...

كذلك , لم تتأخر في مد يد العون والمساعدة , لدعم الدولة السورية في مواجهة الإرهاب , وبتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والإقتصادي والإستشارات العسكرية , عبر توقيع عشرات الإتفاقيات الإقتصادية والتجارية , وفي كل ما من شأنه تعزيز صمود الشعب والدولة السورية واستعادتها لعافيتها وقوتها ومكانتها الجيوسياسية الهامة في المنطقة , في الوقت الذي تحتل فيه القوات الأمريكية جزءاً من الأراضي السورية وتدعم الميليشيات الإنفصالية في شمال الشرقي البلاد , والإرهابية القاعدية في شمالها الغربي , وتضع يدها على ثروات ومقدرات الدولة السورية وتنهب الغاز والنفط والقمح والاّثار السورية , ناهيك عن دعم القضية الفلسطينية والفلسطينيين لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي بشكلٍ فعلي وحقيقي , يفوق الكثير مما يدعيه العرب الخليجيين , وفعلت الشيء ذاته في دعم لبنان ومقاومته , خصوصاً في أزمنة حصاره وتجويعه الحالية , وما تقدمه من دعمٍ للشعب اليمني وقضيته العادلة , أمام الحرب الهمجية الظالمة التي تشنها دول التحالف الخليجي على الشعب اليمني , كذلك مدت يدها مراراً وتكراراً لدول الخليج , في محاولة لإستجلاب الأمن والسلام والإستقرار لجميع دول المنطقة , كما يمكن رصد العلاقات الإيرانية الجيدة مع عدد كبير من دول العالم تبدأ من روسيا والصين وتصل حتى دول أمريكا اللاتينية , مروراً بأوربا واّسيا وأفريقيا.

كيف لواشنطن أن تتجاهل الوجود الإيراني المتجذر في الشرق وفي أقدم القارات , وعلاقاتها التاريخية مع كافة دول العالم , وكيف لها أن تتصور الجمهورية الإسلامية على أنها لا تملك من النفوذ والقوة الكافية للدفاع عن سيادتها ومصالحها ومصالح شعبها الأمنية والإقتصادية والعلمية ...إلخ.

وكيف لها أن تتجاهل تاريخها المليء بالتجارب والعمل الدؤوب والصبر والحكمة والتضحية والشجاعة والعقيدة الإيمانية والوطنية , أمورٌ بمجملها مكنت إيران من تبوء مكانتها الحالية بين دول العالم , وولّدت دائماً في قلوب قادتها وساستها الثقة بالنجاح والإنتصار في كافة التحديات التي تواجهها .

كم من الغرور والغطرسة التي تقود السياسة الأمريكية تجاه إيران , التي تملك أفضل العلاقات مع كافة الدول المناهضة لسياسات واشنطن وهيمنتها , كم من الفشل ينتظر واشنطن في مفاوضات فيينا بمواجهة إيران , وهي صاحبة الحق والقوة والإصرار والخبرة , على الرغم من المرواغة الأمريكية والنفاق الأوروبي , والمراهنة على الوقت والضغوط واستمرار العقوبات على إيران , لن تنجح سياسة العصا والجزرة , والتهديد والتهويل , على واشنطن أن تكون أكثر واقعية , وأن تتبع المصالح الأمريكية بعيداً عن الهلوسات والعضلات الإسرائيلية و الخليجية , وأن تتخلى عن شروطها وتعنتها , وتتجه نحو إثبات حسن نواياها , فالدولة الإيرانية ماضية نحو تحقيق أهدافها وإنتصارها بوجود الإتفاق أو عدمه , فيما تمضي الولايات المتحدة نحو المزيد من الهزائم وإنهيار سياساتها ووجودها في الشرق الأوسط .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

4/2/2022

 

No comments:

Post a Comment