Friday, February 11, 2022

واشنطن ترد وترفض وترمي الكرة مجدداً في الملعب الروسي- م. ميشيل كلاغاصي


 

على وقع التصعيد السياسي الصاخب , والتصعيد العسكري الكبير وغير المسبوق على الحدود الأوكرانية , وفي عددٍ من دول المعكسر الأطلسي , ومعسكر الفضاء الروسي الحالي , ومن خلال التصريحات المتبادلة , هيىء العالم نفسه لإندلاع حربٍ عالمية بإمتياز , وما بين الروايات الثلاث , الروسية والأمريكية والأوكرانية , وضجيج حلف الناتو , والإتحاد الأوروبي المختلف عن الضجيج الأوروبي لدوله , كانت موسكو قد أحرجت واشنطن والناتو , ونشرت مسودات التفاهمات معهما كلٌ على حدة , وتقدمت بوثيقة مكتوبة للضمانات الأمنية , وطالبت واشنطن بردٍ مكتوب , استمهل لأجله الوزير بلينكن مرتين , لكن بلاه التزمت بالمهل , وأرسلت اليوم ردها المكتوب ... بالتوازي مع استعار حرب التحالف الخليجي وعدوانه الغاشم على اليمن , ووسط مسرحية العصيان الداعشي والفرار من السجون الأمريكية بحراسة "ميليشيا قسد" لإعادة إحياء التنظيم في سوريا والعراق , على وقع الدوريات الجوية السورية –الروسية من الجولان إلى الفرات التي هزت تل أبيب وقاعدة التنف الأمريكية , بالتوازي أيضاً مع مفاوضات الملف النووي الإيراني في جنيف , وكل ذلك بعد أيام من فشل إنقلاب "الثورة الملونة" المدعومة من خارج الحدود , والتي نجت منها كازاخستان بإعجوبة , بفضل موسكو والدول الموقعة على معاهدة الأمن الجماعي ....

وسط سخونة هذه العواصف , وبرودة العواصف الثلجية والبرد القارص باّنٍ واحد , وصل السفير الأمريكي لدى موسكو جون سوليفان إلى وزارة الخارجية الروسية وهو يحمل الرد الأمريكي المكتوب , الذي تم تسليمه فعلياً , بحسب الـ CNN , وبلومبرج , ووكالة ريا نوفوستي الروسية , كشهود من الطرفين , في حين عرض الوزير لافروف عدم نشر الرد الأمريكي في حال طلبت واشنطن ذلك , وهذا ما حصل بالفعل.

وفي أجواء الأيام والساعات التي سبقت وصول الرد الأمريكي , شهد العالم استمرار المعارك الإعلامية والسياسية وحروب التصريحات والرسائل المتبادلة , جاء بعضها بنكهة الحسابات الدقيقة , إذ وعدت بولندا بأنها لن تشارك بجندي واحد في حال إندلاع الحرب , وعلا الصراخ الألماني بأن "العقوبات على موسكو تضر بإقتصادنا", فيما حملت أقلام الكتاب والصحفيين ,كماً هائلاً من التحليلات والتوقعات , ورصدت وصف الوزير بلينكن لتحرك القوات الروسية بإتجاه حدودها بـ "العدوان الروسي" , لكنه لم يسلم من إنتقاد وسخرية المتحدثة بإسم الخارجية ماريا زاخاروفا بقولها على موقعها في تلغرام : " ناقش بلينكين العدوان الروسي على حدوده , مع زميلته البريطانية ليز تروس .. اتضح أننا هاجمنا أنفسنا , نحن عدوانيون بشكل ماكر داخل حدودنا " ... كذلك سخر الوزوير لافروف من تصريح الأمين العام للناتو بأن :"الحلف لا يسعى إلى التفاوض مع موسكو" , بقوله : " لم اّخذ تصريحاته في الإعتبار منذ فترة طويلة... وبرأيي فقد الرجل الإتصال بالواقع فعلياً ".

في وقتٍ شددفيه الوزيرلافروف،في حال فشل المفاوضات الأمنية ,على قدرة بلاده بضمان مصالحها الأمنية وحقوق مواطنيها , كذلك بتأكيد الرئيسبوتين:"اتخاذ روسيا قراراً يأخذ في الإعتبار جميع العوامل وفي مقدمتها ضمان أمنها".

في حين توعدت واشنطن بعقوبات شديدة على موسكو والرئيس بوتين , وبأنها لن تقف مكتوفة الأيدي , وسارعت لتهدئة روع حلفائها , حيال تأمين نقاط لتغذيتها وإمدادها بالغاز في حال أوقفت موسكو إمدادها به , ناهيك عن ضخ مبالغ طائلة في الداخل الأوكراني , واستجرار الأسلحة وتعيين نقاط تمركزها , كمن يتوقع الحرب كخيارٍ وحيد , وسارعت لإجلاء دبلوماسييها وعائلاتهم , وموظفي الخدمات المدنية الأمريكية من كييف , تحت عنوان أطلقه الرئيس جو بايدن بنفسه "الغزو الروسي الوشيك" , وطالب مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية المواطنين الموجودين في أوكرانيا , بالتخطيط للمغادرة وبإستخدام الخيارات التجارية (على نفقتهم الخاصة).

ويبقى السؤال كم تبدو واشنطن حريصة على مواطنيها , واستخدامها إشاعة الخوف وتأكيد وقوع الحرب في قلوب الأوكران والأوروبيين , لكن الإتحاد الأوروبي أخفى غضبه تحت كلام المتحدث بإسم الإتحاد جوزيب بوريل , بأنه :"سيستطلع من بلينكن سبب إجلائهم الدبلوماسيين الأمريكيين وعائلاتهم , وأردف بالقول :"لن نفعل شيئاً من هذا القبيل , لن يغادر الدبلوماسيون الأوروبيون كييف".

في وقتٍ قالت فيه الخارجية الألمانية بأنها ستضع خطة للإجلاء في حال تصاعد الوضع في البلاد , واكتفت  الخارجية الفرنسية بالقول: " نحن نراقب الوضع عن كثب" , واعتبرت الخارجية الأوكرانية قرار إجلاء أسر الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين , بأنه "مظهرمن مظاهر الحذر المفرط "...

من المؤكد أن قرار الإجلاء من كييف , هو قرار سياسي , تعمدت من خلاله واشنطن إشاعة أجواء الهستيريا والخوف ما قبل الحرب , لدعم موقفها وتوصيفها بـ "الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا" , في وقتٍ نقلت فيه مئات الأطنان من الأسلحة الثقيلة والفتاكة إلى أوكرانيا ومحيطها , ولم تراع مشاعر الخوف وهي تستعد لتدمير نصف الكرة الأرضية تحت عنوان الدفاع عن الخيار والقرار الأوكراني المستقل.

بعد تأكيد وزارتي الخارجية الروسية والأمريكية تسليم واشنطن ردها المكتوب , خرج الوزير أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي , أهم ما جاء فيه: " سلمنا ردودنا بالتنسيق الكامل مع أوكرانيا وشركائنا الأوروبيين , ونتوقع متابعة النقاش مع الوزير لافروف , أبلغنا موسكو بأن لكييف الحرية في اختيار حلفائها , والأمر يعود لروسيا في اتخاذ قرارها بكيفية الرد ونحن جاهزون لكل الإحتمالات , لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء التصرفات الروسية , أبواب الناتو ستبقى مفتوحة أمام الراغبين بالإنضمام , الولايات المتحدة ملتزمة بتقديم الدعم والمساعدة لأوكرانيا إذا اختارت روسيا الهجوم عليها , وستدفع ثمناً باهظاً ".

من الواضح ان الولايات المتحدة رفضت مطالب روسيا , ورفعت مستوى التصعيد الإعلامي , وتعتقد بأنها بمجرد تسليم ردها , تكون قد رمت الكرة مجدداً في الملعب الروسي والرئيس بوتين تحديداً , وحاولت التركيز على شخص الرئيس بوتين , كما لو أنه "الديكتاتور" الروسي الذي سيقود العالم نحو الحرب أو السلام , هذا السلام الذي تعنيه أمريكا هو الإستسلام بعينه , لزحف الناتو نحو روسيا , وتخطي مصالحها الأمنية وضمان أمن مواطنيها , ومحاصرتها بدول الفضاء الروسي بعد صبغها بألوان الناتو وبالعلامات "التجارية" لملاهي لاس فيجاس , غير اّبهة لما قد تؤول إليه الأمور , فهي تقاتل بحلفائها , وعندما تفوز ... تفوز وحدها.

لكن روسيا وخارجيتها ورئاستها , وقد تلقت الرد ورفض مطالبها من قبل واشنطن التي "لن تقف مكتوفة الأيدي" , والناتو "الذي يستعد للأسوأ" , تبدو الاّن بصدد دراسة جميع الاّراء , بدءاً من الحكومة ومجلس الدوما وعديد الأحزاب الروسية , بالإضافة إلى مشاورات ستجريها موسكو مع أهم حلفائها , لتضع حصيلتها أمام الرئيس بوتين الذي سيتنخذ القرار الروسي المناسب كرجل دولة حقيقي وليس كـ "ديكتاتور" , كما تحاول واشنطن حصر قرار الحرب – إن اتخذ - بشخصٍ واحد.

ميشال كلاغاصي

27/1/2022

No comments:

Post a Comment