Friday, February 11, 2022

موازين القوى على محك التعاون الإستراتيجي الصيني - الإيراني - م. ميشيل كلاغاصي

على الرغم من تكثيف الولايات المتحدة الأمريكية جهودها للحفاظ على ميزان القوى الدولي وعلى سيطرتها على العالم , إلاّ أن تراجعها الإقتصادي ومشاكل التضخم والبطالة , والإنقسام الداخلي حول السياسة الخارجية وهزائمها السياسية والعسكرية في عديد الساحات الساخنة , أدى لإضعافها , ولخلخلة المقعد القطبي الأحادي من تحتها , بالإضافة لصعود عديد القوى والدول حول العالم , التي بدأت تبحث عن تموضعها الجديد , في عالمٍ متعدد الأقطاب , الأمر الذي فرض على واشنطن تحديد لائحة أعدائها , وترتيب أولوياتها بهدف منافستهم ومواجهتهم بكافة السبل والوسائل , للحد من صعودهم , لكن التحالفات الجديدة الناشئة فيما بينهم , عقدت مهمة واشنطن , وربما جعلتها مستحيلة.

ففي الشرق الأوسط ، حددت واشنطن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هدفاً وحيداً , ورأت أنه يشكل تهديداً كبيراً على نفوذها وهيمنتها , وفي هذا السياق , ابتدعت تهماً جاهزة , وعناوين كبرى لتبريرعدائها وإستهدافها لإيران , كإتهامها بـ "رعاية الإرهاب" و"بالسعي لإنتاج الأسلحة النووية" , وبـ "إنتهاك حقوق الإنسان" , و"استهدافها لحلفاء واشنطن" في الشرق الاوسط , بالإضافة إلى دعمها لمناهضي سياسات ووجود القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا.

سنوات طويلة وحتى الآن ، لا زالت إيران تعاني , من استهداف واشنطن لمصالحها وأمنها وسيادتها واستقرارها , كذلك لا زالت تعاني من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ، والتي أثرت إلى حد كبير على مصالح إيران , وعدة دول كروسيا والصين والهند وتركيا ، والتي تتمتع جميعها بعلاقات مالية وتجارية طويلة الأمد مع إيران , وفي هذا السياق حاولت دائماً استهداف علاقات التعاون الإقتصادي الإيراني المتزايد مع هذه الدول ، وخصوصاً مع الصين.

فقد ازادت العلاقات الصينية – الإيرانية عمقاً في السنوات الأخيرة , من خلال التعاون الإقتصادي والدبلوماسي والعسكري , الأمر الذي عزز فرصة بكين لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط , وأصبحت إيران بالنسبة لها , شريكاً وحليفاً استراتيجياً , في مواجهة واشنطن , وكمصدر للنفط والغاز التي تحرص بكين على الحصول عليهما بشكلٍ دائم . 

كذلك بالنسبة لإيران , التي تواجه العقوبات الدولية والأمريكية ، خصوصاً وأنها تعاني من الحصار الغربي , ولتجميد رؤوس أموالها في الدول الغربية المتواطئة مع واشنطن , ونتيجة لذلك ، أصبحت إيران تعتمد على بكين في مواجهة الضغوط السياسية والإقتصادية , ووجدت فيها شريكاً استراتيجياً موثوقاً .

وقد وصلت اليوم العلاقات بين الصين وإيران إلى أعلى مستوياتها ، أثمرت توقيع اتفاقية "الشراكة الإستراتيجية" الممتدة لـ /25/ عاماً , حصلت الصين من خلالها على حسومات في سعر النفط الإيراني مقابل إستثمارات صينية بقيمة /400/ مليار دولار في مشاريع مختلفة في إيران , ناهيك عن تحول إيران إلى طرفاً أساسياً في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين ، لتوسيع الشراكة بينهما.

إن العداء المشترك لكلا البلدين للولايات المتحدة الأمريكية , بالإضافة إلى السلوك الأمريكي الذي ينتقده الشريكين , وخصوصاً في سياق محاولاتها لجلب "الديمقراطية الأمريكية" المدمرة للدول والشعوب , وغزوها للعديد من الدول عبر القوة العسكرية , ساعد على تقارب البلدين على قاعدة مناهضة الهيمنة الأمريكية , واستضعافها للدول والشعوب , وساعد على توسيع الصفقات العسكرية بينهما , وتطوير علاقات التعاون العسكري الجوي والبحري.

لم ترحب الولايات المتحدة بالإتفاقيات الصينية – الإيرانية , واعتبرتها تحدياً لها , فيما نظر إليها الوزير بلينكن على أنها " أعظم اختبار جيوسياسي في العالم " , سيساعدها على مقاومة الهيمنة الأمريكية وعقوباتها , وأسوأ ما في الأمر , هو أن تنظر واشنطن إلى المستوى النوعي الجديد للعلاقات الصينية – الإيرانية , وأنه أصبح لدى إيران حلفاء أقوياء , وأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن. 

المهندس: ميشيل كلاغاصي

27/1/2022


No comments:

Post a Comment