مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد خروج الحليفين الإتحاد
السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية منتصرين, سعت واشنطن لإقامة تحالفاتٍ
جديدة, بدأتها مع أعدائها الأوروبيين المهزومين في الحرب , وكونت معهم الشراكة المتوحشة
, في ظل النظام العالمي الجديد وقتها, ولعبت فيه دور شرطي العالم , الذي يخوض المعارك
, فيما يضمن لها شركاؤها استمرار تدفق الأموال في خزائنها, وبقاء الأسواق الأوروبية
مفتوحة أمامها, مع ضمان مكانتها التجارية ونفوذها وسيطرتها على العالم , فيما تخلت
عن تحالفها السابق مع الإتحاد السوفيتي, وانتقلت من منافسته إلى عدائه .. واستمر الحال
إلى حين إنهيار الإتحاد السوفيتي, وبروز روسيا الإتحادية كوريث شرعي له , وصعود إيران
الثورة إلى سدة الحكم في إيران وإمساك الحزب الشيوعي الصين زمام إدارة الصين بقوة
, وتحت ذرائع البنتاغون ومخاوفه من عدم إمتثال بعض الدول الاّسيوية لقواعد النظام الجديد
, ابتدعت أعداءاً جدد كروسيا الإتحادية والصين وإيران , وقررت المجيئ إلى العراق للإقتراب
أكثر فأكثر من إيران بشكل خاص , ومن روسيا والصين ودول غرب اّسيا واّسيا الوسطى , وانتقلت
– منفردة بقيادة العالم لحوالي ربع قرن – وتقدمت نحو حروب ما بعد أحداث أيلول
2001 نحو أفغانستان , في محاولة لهندسة الصراع
مع الصين وروسيا.
وفي الوقت الذي تبلورت فيه صيغة عدائها الإستراتيجي لروسيا
والصين , كان اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة ، والذي يتمتع بنفوذ وقدرة
على صنع السياسة في البيت الأبيض ، يدفع واشنطن إلى حرب شاملة ضد طهران ... وعليه كان
لا بد لها من تقديم البروباغاندا وحشد التأييد والتحالفات ضد العدو المفترض الجديد
, ففي عام 2017 ، حاولت واشنطن تشكيل تحالفٍ عسكري جديد ضد إيران بزعامة السعودية تحت
مسمى "الناتو العربي" , تقوده من وراء الكواليس , فيما تدعمه "إسرائيل"
بمعلوماتها الإستخبارية .
كذلك تحاول اليوم بناء تحالف اّخر , عبر مبعوثها الأمريكي
الخاص بإيران , روبرت مالي , الذي أجرى مؤخراً , محادثات مع مسؤولين من فرنسا وألمانيا
والمملكة المتحدة ودول الخليج ، بمشاركة ممثلين من مصر والأردن ... ومن المهم ملاحظة
أن التحالف الجديد في حال نجاحه من عدمها , يبقى قراراً أمريكياً صرفاً , وجزءاً من
نهجٍ بديل للنهج الدبلوماسي المتبع حتى الاّن في تجاذبات وحلول الملف النووي الإيراني
, وهذا النهج البديل شكل أساس الموقف الذي كرره وزير الدفاع الأمريكي في 20 تشرين الثاني/
نوفمبر في المنامة ، خلال "المؤتمر الدولي حول الأمن في المنطقة".
لقد غيّر المبعوث مالي إتجاه التقارب الإيراني – السعودي
– الخليجي , لكبح الحقوق والطموحات الإيرانية النووية السلمية , وناقش مع الحضور والمندوبين
الأوروبيين ما دعاه بـ "الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة ، كإستخدام
ونقل الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار التي أدت إلى هجمات ضد الشركاء الإقليميين"
, وشجع البحرين ودول الخليج العربي الأخرى على توحيد جهودهم في معارضة إيران ، التي
تتحمل مسؤولية هجمات الطائرات المسيرة التي يستخدمها الحوثيين ضد السعودية – دائماً
الكلام بحسب روبرت مالي -.
كذلك استبقت واشنطن المؤتمر الدولي للأمن , بلقاء أمريكي
– خليجي وما يسمى "مجموعة العمل بشأن إيران" , وخرجوا بتوافق على أن برنامج
إيران النووي شكل "مصدر قلقٍ خطير" ، كما أعلنت المجموعة أن البرنامج مهم
لبرامج الأسلحة النووية وليس للأغراض المدنية , وبأن تخصيب اليورانيوم أعلى مما يسمح
به الإتفاق النووي السلمي ... كما ناقش المجتمعون , - "عدوانية إيران الخطيرة"
, وتزويد حلفائها بأحدث الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار ، فضلاً عن "استخدام"
إيران وشركائها هذه الأسلحة في مئات الهجمات
ضد المدنيين والبنية التحتية الحيوية في السعودية ، وكذلك ضد السفن التجارية في المياه
الدولية لبحر عمان , كما أشارت المجموعة إلى أن الهجمات الإيرانية تشكل خطراً على الجنود
الأمريكيين الذين يقاتلون ضد "داعش".
ولأجل تبرير السعي الأمريكي لحشد المعارضة والتحالفات ضد
إيران , لجأت إلى وسائل إعلامها , لإتهام طهران بشن الهجوم على قاعدة التنف – الأمريكية
, رداً على "الضربات" الجوية الإسرائيلية في سوريا , وبأنه هجوم "متعمد
ومنسق" بحسب تقريرالقيادة المركزية الأمريكية , وأنه يشكل خطر على القوات الأمريكية
في الشرق الأوسط... في حين جاء رد المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية بأنهم دائماً
: "يتهمون إيران دون أي دليل".
تبدو واشنطن بأمس الحاجة لخلق أوراقٍ جديدة مع كل مرحلة تصطدم
فيها بفشلها العسكري والسياسي والدبلوماسي أمام خصومها وأعدائها كروسيا والصين , ولا
سيما في المواجهة المستمرة مع إيران ومحور المقاومة مجتمعاً.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
26/11/2021
No comments:
Post a Comment