Saturday, December 18, 2021

تركيا أكثر من أزمة ومصير أردوغان على المحك - م. ميشال كلاغاصي


يعيش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم أسوأ لحظاته كرئيس للدولة  التركية , على وقع التظاهرات والغضب الشعبي , وتصاعد التوترات الإجتماعية والسياسية في البلاد , بالتوازي مع الإنهيار الإقتصادي , وتقهقهر قيمة العملة التركية , وتضاعف عدد المحتاجين والفقراء. 

فقد حاصرت أزمة الديون المواطنين الأتراك وأصبحوا عاجزين عن التسديد , وبات الملايين منهم يواجهون  دعاوى قضائية نتيجة الديون المستحقة  والمتأخرة ,  وتضاعفت بشكلٍ كبير أعداد المواطنين غير القادرين على سداد ديونهم الإئتمانية الإستهلاكية .

وبحسب موقع بلومبرج , فقد بلغ معدل التضخم في تركيا 21.3٪ , وانخفضت قيمة العملة التركية بمقدار النصف , وبحسب الخبراء الأتراك ، فإن أحد أسباب الانهيار السريع هو تدخل أردوغان في السياسة المصرفية ، وثقته بأن خفض سعر الفائدة الرئيسي سيقضي على التضخم , لكن النتيجة جاءت بعكس ما يتخيل , وازداد الوضع سوءاً , وبدأ بإلقاء اللوم تارةً على رئيس الحكومة وأخرى على وزارة المالية والبنك المركزي والوكلاء الأجانب , وفاته أن يلقي اللوم على نفسه .

ولم يتوقف بالحديث عن مؤامرة خارجية "للقضاء على الشعب التركي" ، بالإشتراك مع أحزاب المعارضة ، ووكالة المخابرات المركزية ، وصهاينة العالم ، والليبراليين الغربيين ، والملياردير جورج سوروس ، وقوى أخرى معادية للأتراك.

على هذه الخلفية ، استبدل أردوغان ثلاثة رؤساء للبنك المركزي التركي إلى أن وافق الرئيس الحالي على خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 15٪ , كما أقال وزير المالية واستبدله بوزير من خارج الوسط الإقتصادي لكنه من أشد مناصري حزب العدالة والتنمية , ومن مؤيدي خفض أسعار الفائدة التي يتبعها أردوغان.

بسبب الإنخفاض القياسي لليرة التركية ، اندلعت أعمال شغب في الشوارع في جميع أنحاء البلاد , وخرج المواطنون الأتراك في مظاهرات حاشدة في الشوارع الرئيسية في اسطنبول وأنقرة وإزمير ومدن أخرى احتجاجاً على الأزمة الإقتصادية وغلاء المعيشة , ودعوا الحزب الحاكم إلى التنحي في ظل إفقار البلاد , على وقع الإشتباكات والمعارك الطاحنة بالأيدي والشتائم بين نواب أردوغان – حزب العدالة والتنمية , ونواب المعارضة , تحت قبة البرلمان , في حين اتخذت الشرطة التركية إجراءاتٍ صارمة للحد من التظاهرات الشعبية , وأعلنت المديرية العامة للأمن عن بدء إجراءات جنائية ضد أصحاب 271 حسابًا في مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة وقوفها وراء نشر الدعوات للإحتجاجات.

يسعى أردوغان إلى نقل مشاكله الداخلية وتحويل الأنظار نحو الخارج , عبر زج الجيش التركي في عمليات عسكرية في سوريا والعراق وليبيا , ويروّج لمشروع "العلم التركي" تحديداً , وأظهر خارطته التي تتضمن أجزاءاً كبيرةً من الأراضي الروسية ، منها شبه جزيرة القرم إقليم الكوبان ومقاطعة روستوف وجمهوريات شمال القوقاز وكازاخستان وأذربيجان والبلقان وقيرغيزستان وأوزبكستان ومنطقة الحكم الذاتي في شينجيانغ الإيغورية وبعض أراضي منغوليا وإيران وأوروبا وغيرها .

من المقرر أن تجري الإنتخابات الرئاسية القادمة في منتصف عام 2023 , وسط توقعات داخلية بإلغائها من قبل أردوغان – الديكتاتور- , في الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي الأخيرة تراجع شعبيته وحزبه أيضاً , وسط الحديث عن تدهور حالته الصحية بشكل كبير.

على هذه الخلفية ، اجتمعت وقررت أحزاب المعارضة الستة في تركيا , توحيد الجهود لإستعادة النظام البرلماني في البلاد , وتقييد فترة ولاية الرئيس ونقلها إلى المجلس التشريعي , وإجباره على الانسحاب من السياسة بعد أن يترك منصبه , وطالبت بإستقلال القضاء والصحفيين والأكاديميين ، وضرورة خفض العتبة الانتخابية للتمثيل البرلماني إلى 3٪. , في محاولة لإستعادة ما ألغاه أردوغان عبر تغيير الدستور والإنتقال إلى النظام الرئاسي التركي الخاص - المتغطرس.

وبحسب المعارضة ، فإن أردوغان يدمر تركيا من داخلها ، وبعد رحيله سيتعين على الحكومة إعادة بناء الحطام المتبقي , بعدما قضت ممارساته وانتهاكاته على حقوق الإنسان , وألقى عشرات الآلاف ممن لا يؤيدون سياساته في السجون ، وتضاعفت نسبة الجرائم , وغاب القانون والعدالة , وتفاقمت مشاكل اللاجئين , في وقتٍ أكد فيه وزيره وعقله المفكر السابق أحمد داود أوغلو , أن سياسات أردوغان الإقتصادية الحالية "ليست جهلاً ، بل خيانة" لشعبه , ودعا إلى انتخاباتٍ فورية , لكن أردوغان لا زال يصرّ على رفضها.

وفي ظل استطلاعات الرأي الداخلية , تبين أن 64 ٪ من الأتراك مقتنعون بأن حكومة حزب العدالة والتنمية الحالية لن تكون قادرة على السيطرة وكبح المشاكل الإقتصادية التي أصابت البلاد ,  فيما يعتقد 28.4٪ فقط  بقدرة أردوغان على حل هذه المشاكل , بالمقابل يعتقد 55٪ من المستطلعين أن المعارضة الحالية لا تستطيع إخراج تركيا من الأزمة الإقتصادية ، حتى لو وصلت إلى السلطة.

لم يعد بالإمكان إخفاء حقيقة الأوضاع الداخلية في تركيا , في ظل حكم الرئيس أردوغان وحزبه , وباتت البلاد تقف على عتبة المجهول وأمام كافة الإحتمالات , ما يمنح "قنبلة" الداخل التركي فرصة الإنفجار , ويبقى الثابت الوحيد أن الكرسي الرئاسي "للسلطان" بدأ يهتز بقوةٍ لا تنفع معها مسرحيات محاولات الإغتيال , وزج الجيش التركي بمعارك إضافية خارج البلاد.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

11/12/2021 

No comments:

Post a Comment