Saturday, December 4, 2021

سوريا تكسر الطوق وتخرج من العزلة الدولية - م. ميشيل كلاغاصي


لا يمكن النظر إلى الحرب الأمريكية العدوانية الحالية على سوريا منذ أكثر من عشر سنوات , سوى على أنها حلقة من سلسلة , لطالما حلمت واشنطن بالفوز فيها , واستباحة المنطقة العربية كما تشتهي وربيتها "إسرائيل" ذاك الكيان العدواني الغاصب , لكنها واجهت قيادة سورية ذكية وشجاعة , متكئة على جيشٍ عقائدي قوي , وشعبٍ جبار يلتف حول قيادته وأهدافه التي تتجاوز تحرير فلسطين والجولان السوري , وما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة , لتشكل بحق النبض القومي العربي وضمير وهوية الأمة جمعاء , ولتساعد العرب على  رسم مستقبلهم وأجيالهم بأيديهم , بعيداً عن الهيمنة الأمريكية والعصا الإسرائيلية في المنطقة.  

ومن خلال الطريق الصعبة والوعرة التي اختارتها واشنطن للوصول إلى دمشق , تكبدت العديد من الهزائم السياسية والعسكرية في فلسطين وجنوب لبنان والعراق , ناهيك عن خسارتها الأموال الباهظة وتريلونات الدولارات , وفقدت حياة الاّلاف من جنودها , فلجأت إلى المخططات الكبرى والربيع العربي والتطبيع والترغيب والترهيب والإرهاب وتشكيل تحالف دولي كبير لإسقاط دمشق , فكانت حرباً عسكرية وتجارية وإقتصادية وإعلامية وأممية ...إلخ , بالإضافة إلى الحصار الخانق وإعتماد قانون قيصر, والعقوبات  على عشرات الأفراد والهيئات الإعتبارية في سوريا ، بمن فيهم الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى ، وكل من يتعاون مع دمشق.

وها هي دمشق تخرج شيئاً فشيئاً من عزلتها , حتى في ظل صيحات البيت الأبيض الغاضبة ، مع تزايد تدفق الوفود الأجنبية إلى دمشق ، مما يدل على استعداد الدول لتكثيف تعاونها مع الدولة السورية في العديد من المجالات ، وبتقديم استثماراتها لمساعدة سوريا على إستعادة حياتها الإقتصادية بالسرعة الممكنة.

وبتنا نرى الوفود الأجنبية تعج في دمشق , وكذلك السفراء والقنصليات , في دليلٍ واضح على استعادة الحياة السياسية والإقتصادية والعلاقات السورية – العربية , وسط نشاط تجاري وإقتصادي كبير لحلفاء سوريا الأوفياء في موسكو وطهران , وتفعيل كبير للإتفاقيات التي احتاجت أن تقوم دمشق بتعبيد طرقها كي تندفع نحو الأمام من خلال تطوير عديد الاّليات المصرفية والإلكترونية والبنى التحتية في البلاد .

وبتنا نرى عودة سوريا للمشاركة في بعض المؤتمرات الدولية والأممية , وسط الحديث عن احتمالية قبول سوريا عودتها إلى الجامعة العربية من خلال قمة الجزائر القادمة في اّذار 2022 , في وقتٍ تلقت فيه دمشق دعوةً رسمية إلى عمان لإجراء مفاوضات رباعية بمشاركة ممثلين عن مصر ولبنان والأردن بشأن مساعدة بيروت ، لحل أزمة الطاقة الخانقة والخطيرة , ناهيك عن الحضور السوري المميز في معرض "إكسبو 2020 " في دبي , كذلك الإعلان عن إعادة فتح المنطقة الحرة السورية - الأردنية المشتركة  , وإعادة فتح الحدود البرية الأردنية مع سوريا , واستعادة الرحلات الجوية بين عمان ودمشق , بالإضافة إلى عودة الرياضة الدولية الرسمية إلى ملاعب دمشق واستقبالها الفريق الكازاخستاني على أرضها , وظهور العلم السوري والنشيد الوطني في ملاعب قطر في إفتتاحية بطولة كأس العرب في قطر .  

للأسف فقد أضاع العرب وغيرهم وقتاً ثميناً , للعودة إلى يقينهم بأهمية سوريا , ودورها العربي والإقليمي والدولي , بعدما إتضح لهم مجدداً أن كافة حلول القضايا الإقليمية لن يكون ناجحاً دون المرور بدمشق , وأقله سياسياً وإقتصادياً , بإعتبارها أحد أهم اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط .

لم تقتصرعلاقات دمشق الودية والإستراتيجية مع الحلفاء فقط , بل شملت بعض اللاعبين الإقليميين الرئيسيين , الذين عارضوها , ووقفوا في الخندق الاّخر أثناء الحرب عليها , بعدما أظهروا ما أظهروا من حسن النوايا , والرغبة بإستعادة العلاقات الثنائية معها , فكانت عودة العلاقات السورية – الإماراتية هامة لكلا البلدين , سياسياً وإقتصادياً , وتُوجت بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لدمشق ولقاؤه مع الرئيس بشار الأسد , تبعها محادثات هاتفية بين الرئيس بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني.

على الرغم من وجود بعض الشوائب والمعارضة القطرية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية , إلاّ أن ذلك يحظى بتأييدٍ علني من الجزائر وتونس ومصر وعُمان والأردن والعراق والإمارات العربية المتحدة , وسط التوقعات بعدم وجود معارضة سعودية علنية لعودة سوريا.

وحدها الولايات المتحدة , عبرت بشكل علني عن عدم رضاها لعودة سوريا وفك عزلتها الدولية , التي فرضتها هي بالأساس , ومارست ضغوطها الرهيبة على عشرات الدول كي تلتحق بركبها ضد الدولة والشعب السوري , واليوم يأتي الوزير أنتوني بلينكن ليعبر عن "قلقه" تجاه زيارات الوفود الأجنبية إلى دمشق ، خصوصاً بعد "تحذيره" لبعض حلفاء واشنطن من تطبيع علاقاتها مع دمشق.

ومع ذلك ، فقد عبر مؤخراً , أكثر من ثلاثين عضواً في الكونجرس الأمريكي عن شكوكهم في شرعية الإجراءات التي قامت بها إدارة الرئيس بايدن في سوريا , كما شكك بعض المشرعين الأمريكيين في "حق" واشنطن بتنفيذ ضربات عسكرية في سوريا – بحسب صحيفة "بوليتيكو".

في يومٍ انتظره السوريون طويلاً , يبدو أن دول العالم تقترب شيئاً فشيئاً من الإعتراف بإنتصار سوريا وبمساعدة حلفائها , في الحرب الكونية التي شنها الأمريكيون والغربيون والأتراك والإسرائيليون وبعض العرب , والإنفصاليون والإرهابيون , بهزيمتهم في سوريا , وبات على واشنطن الإنسحاب من سوريا , والإكتفاء بإعلان إكذوبة مشاركتها و"إنتصارها" في القضاء على "داعش" في سوريا , والعراق أيضاً .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

2/12/2021 

No comments:

Post a Comment