لا يمكن النظر إلى الحرب الأمريكية العدوانية الحالية
على سوريا منذ أكثر من عشر سنوات , سوى على أنها حلقة من سلسلة , لطالما حلمت
واشنطن بالفوز فيها , واستباحة المنطقة العربية كما تشتهي وربيتها
"إسرائيل" ذاك الكيان العدواني الغاصب , لكنها واجهت قيادة سورية ذكية وشجاعة
, متكئة على جيشٍ عقائدي قوي , وشعبٍ جبار يلتف حول قيادته وأهدافه التي تتجاوز
تحرير فلسطين والجولان السوري , وما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة , لتشكل بحق
النبض القومي العربي وضمير وهوية الأمة جمعاء , ولتساعد العرب على رسم مستقبلهم وأجيالهم بأيديهم , بعيداً عن
الهيمنة الأمريكية والعصا الإسرائيلية في المنطقة.
ومن خلال الطريق الصعبة والوعرة التي اختارتها واشنطن
للوصول إلى دمشق , تكبدت العديد من الهزائم السياسية والعسكرية في فلسطين وجنوب
لبنان والعراق , ناهيك عن خسارتها الأموال الباهظة وتريلونات الدولارات , وفقدت
حياة الاّلاف من جنودها , فلجأت إلى المخططات الكبرى والربيع العربي والتطبيع
والترغيب والترهيب والإرهاب وتشكيل تحالف دولي كبير لإسقاط دمشق , فكانت حرباً
عسكرية وتجارية وإقتصادية وإعلامية وأممية ...إلخ , بالإضافة إلى الحصار الخانق
وإعتماد قانون قيصر, والعقوبات على عشرات الأفراد
والهيئات الإعتبارية في سوريا ، بمن فيهم الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى ، وكل من
يتعاون مع دمشق.
وها هي دمشق تخرج شيئاً فشيئاً من عزلتها , حتى في ظل صيحات
البيت الأبيض الغاضبة ، مع تزايد تدفق الوفود الأجنبية إلى دمشق ، مما يدل على استعداد
الدول لتكثيف تعاونها مع الدولة السورية في العديد من المجالات ، وبتقديم استثماراتها
لمساعدة سوريا على إستعادة حياتها الإقتصادية بالسرعة الممكنة.
وبتنا نرى الوفود الأجنبية تعج في دمشق , وكذلك السفراء
والقنصليات , في دليلٍ واضح على استعادة الحياة السياسية والإقتصادية والعلاقات
السورية – العربية , وسط نشاط تجاري وإقتصادي كبير لحلفاء سوريا الأوفياء في موسكو
وطهران , وتفعيل كبير للإتفاقيات التي احتاجت أن تقوم دمشق بتعبيد طرقها كي تندفع
نحو الأمام من خلال تطوير عديد الاّليات المصرفية والإلكترونية والبنى التحتية في
البلاد .
وبتنا نرى عودة سوريا للمشاركة في بعض المؤتمرات الدولية
والأممية , وسط الحديث عن احتمالية قبول سوريا عودتها إلى الجامعة العربية من خلال
قمة الجزائر القادمة في اّذار 2022 , في وقتٍ تلقت فيه دمشق دعوةً رسمية إلى عمان لإجراء
مفاوضات رباعية بمشاركة ممثلين عن مصر ولبنان والأردن بشأن مساعدة بيروت ، لحل
أزمة الطاقة الخانقة والخطيرة , ناهيك عن الحضور السوري المميز في معرض
"إكسبو 2020 " في دبي , كذلك الإعلان عن إعادة فتح المنطقة الحرة السورية
- الأردنية المشتركة , وإعادة فتح الحدود
البرية الأردنية مع سوريا , واستعادة الرحلات الجوية بين عمان ودمشق , بالإضافة
إلى عودة الرياضة الدولية الرسمية إلى ملاعب دمشق واستقبالها الفريق الكازاخستاني
على أرضها , وظهور العلم السوري والنشيد الوطني في ملاعب قطر في إفتتاحية بطولة
كأس العرب في قطر .
للأسف فقد أضاع العرب وغيرهم وقتاً ثميناً , للعودة إلى
يقينهم بأهمية سوريا , ودورها العربي والإقليمي والدولي , بعدما إتضح لهم مجدداً
أن كافة حلول القضايا الإقليمية لن يكون ناجحاً دون المرور بدمشق , وأقله سياسياً
وإقتصادياً , بإعتبارها أحد أهم اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط .
لم تقتصرعلاقات دمشق الودية والإستراتيجية مع الحلفاء
فقط , بل شملت بعض اللاعبين الإقليميين الرئيسيين , الذين عارضوها , ووقفوا في
الخندق الاّخر أثناء الحرب عليها , بعدما أظهروا ما أظهروا من حسن النوايا ,
والرغبة بإستعادة العلاقات الثنائية معها , فكانت عودة العلاقات السورية –
الإماراتية هامة لكلا البلدين , سياسياً وإقتصادياً , وتُوجت بزيارة وزير الخارجية
الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لدمشق ولقاؤه مع الرئيس بشار الأسد , تبعها محادثات
هاتفية بين الرئيس بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني.
على الرغم من وجود بعض الشوائب والمعارضة القطرية لعودة
سوريا إلى الجامعة العربية , إلاّ أن ذلك يحظى بتأييدٍ علني من الجزائر وتونس ومصر
وعُمان والأردن والعراق والإمارات العربية المتحدة , وسط التوقعات بعدم وجود
معارضة سعودية علنية لعودة سوريا.
وحدها الولايات المتحدة , عبرت بشكل علني عن عدم رضاها لعودة
سوريا وفك عزلتها الدولية , التي فرضتها هي بالأساس , ومارست ضغوطها الرهيبة على
عشرات الدول كي تلتحق بركبها ضد الدولة والشعب السوري , واليوم يأتي الوزير أنتوني
بلينكن ليعبر عن "قلقه" تجاه زيارات الوفود الأجنبية إلى دمشق ، خصوصاً
بعد "تحذيره" لبعض حلفاء واشنطن من تطبيع علاقاتها مع دمشق.
ومع ذلك ، فقد عبر مؤخراً , أكثر من ثلاثين عضواً في الكونجرس
الأمريكي عن شكوكهم في شرعية الإجراءات التي قامت بها إدارة الرئيس بايدن في سوريا
, كما شكك بعض المشرعين الأمريكيين في "حق" واشنطن بتنفيذ ضربات عسكرية في
سوريا – بحسب صحيفة "بوليتيكو".
في يومٍ انتظره السوريون طويلاً , يبدو أن دول العالم
تقترب شيئاً فشيئاً من الإعتراف بإنتصار سوريا وبمساعدة حلفائها , في الحرب
الكونية التي شنها الأمريكيون والغربيون والأتراك والإسرائيليون وبعض العرب , والإنفصاليون
والإرهابيون , بهزيمتهم في سوريا , وبات على واشنطن الإنسحاب من سوريا , والإكتفاء
بإعلان إكذوبة مشاركتها و"إنتصارها" في القضاء على "داعش" في
سوريا , والعراق أيضاً .
المهندس: ميشيل كلاغاصي
No comments:
Post a Comment