Saturday, May 21, 2022

الطاقة السورية الكامنة - م. ميشيل كلاغاصي


اثنتا عشر عاماً للحرب الكونية على الدولة السورية بكافة أركانها ومكوناتها , حربٌ استهدفت الأرض والإنسان السوري على حد سواء , نالت فيها الهوية السورية النصيب الأكبر من الإستهداف , الذي لم يقل ضراوةً عن استهداف الأرض والدولة والشعب ..

حربٌ "بَشّرَ" الأمريكيون بطولها وامتدادها ثلاثون عاماً , يتكشف من صفحاتها يوماً بعد يوم , إصرارهم على متابعتها , وعدم اكتفائهم بنتائجها الميدانية التي تؤكد يوماً بعد يوم إتجاه الدولة السورية نحو النصر النهائي , فالمحاولات مستمرة , كذلك الإحتلال والإرهاب , والخطط العسكرية والسياسية والحصار الإقتصادي , والخطط البديلة حاضرة دائماً وبدون توقف.

الأمر الذي يدفعنا للسؤال متى ستتوقف الحرب ؟ وهل نحن ماضون في الصمود إلى اللا نهاية ؟ وإلى تحقيق الإنتصار الكبير من خلال المواجهة العسكرية المباشرة فقط , بالإعتماد على مقدراتنا ومصادر قوتنا الذاتية , وقوة جيشنا الباسل ؟ مهما كان حجم الدعم الذي يقدمه شركاؤنا وحلفاؤنا وأصدقاؤنا الأوفياء.

فقد بات واضحاً أن كسب المعركة يحتاج إلى فائض قوةٍ تظهره الدولة السورية , يفرض على أعدائها قبولهم بالهزيمة وإنهاء حرب المشروع الصهيو- أمريكي عليها , من أجل الهيمنة المطلقة على المنطقة والعالم , الذي اصطدم بمشروع المقاومة الذي تشكل فيه سورية رأس الحربة والقلعة الأولى.

إلاّ أنه بات من الضروري إعتماد الدولة السورية على نقل المعركة إلى خارج حدودها , وإلى حيث يجب أن تكون , وأن تدفع بـ "طاقتها الكامنة " التي تتمثل بسوريي الخارج , الذين يُعدّون بالملايين , فأساس الصراع والحرب هو ذاك الكيان السرطاني الغاصب الذي تمت زراعته في الجنوب السوري , بعد أن حوله الصهاينة من فكرةٍ إلى حلمٍ وهدف .. ولا يزالوا يُقدمون لسلطات الكيان الغاصب الدعم السياسي والعسكري والبشري والمالي والإعلامي .. إلخ.. وانطلاقاً من هذا , نجد أن ما تعرضت له سورية خلال القرن الماضي وحتى ما قبل 2011 , يعتبر مواجهة ذيل الأفعى لا رأسها , وتحول منذ إتنتا عشر عاماً إلى مواجهة مزدوجة مع الأفعى وعشرات أذيالها.

إن طبيعة الصراع الوجودي القائم وأخطاره وتداعياته , تفرض العمل على منحيين وهدفين أساسيين: في تعطيل الدعم الذي توفره المؤسسة الإسرائيلية للكيان الغاصب حول العالم , وبتفعيل العلاقة بين سوريي الداخل و الخارج على كافة المستويات والصعد.. وأن تكون دمشق قلبه وقلعة صموده والحامل الرئيسي لراية المقاومة العربية.

فالثابت الأكيد أن لا سلام مع سلطة الكيان الغاصب , المهيمن على القرار السياسي للولايات المتحدة , خاصةً ما يتعلق بالشرق الأوسط .. وبالتالي فإن الصراع المباشر مع الكيان الغاصب هو جزءٌ من الصراع مع المؤسسة الإسرائيلية نفسها , وأن اندحارها هو السبيل الوحيد للإنتصار, وتفكيك كل الأسس التي تدعم قيام الكيان على أرض فلسطين المحتلة , واستعادة الحقوق الكاملة للشعوب العربية.

إن أسباب تواجد السوريين خارج وطنهم يعود لسنواتٍ طويلة , ناهيك عمن خرجوا مؤخراً بسبب الإرهاب والحرب الكونية الحالية , لكن العامل المشترك هو نفسه , تلخصه الحروب بخلق بأسبابٍ سياسية وإقتصادية , أفضت إلى تهجيرٍ ممنهج , خطط له أعداء سورية , ووضعوه على لائحة أهدافهم الرئيسية.

لقد استطاع اليهود الصهاينة أن يُنشؤوا المؤسسة الإسرائيلية حول العالم , والتي يقزّمها البعض بإطلاقهم عليها تسمية "اللوبي" , فقد ثبت أن داعميها ليسوا من اليهود فقط , وأن بينهم من كان يرفض فكرة " إسرائيل" أمثال موشي مناحيم ونعوم تشومسكي , وحركات دينية كـ " ناطوري كارتا " , وعليه تبدو كلمة لوبي وصفٌ غير دقيق وبعيد عن الحقيقة , ولا يعبر عن تنوع وتشابك مكونات المؤسسة الإسرائيلية , على الرغم من وحدة أهدافهم .

وإذ تضم المؤسسة الإسرائيلية عدداً كبيراً من المنظمات والجمعيات والإتحادات ومراكز الأبحاث وغيرها , فبعضها يهودي صهيوني" كالمؤتمر الصهيوني العالمي" , وبعضها يهودي لا يعلن عن صهيونيته كمؤسسة "أبناء الميثاق" , والتجمعات المسيحية المتصهينة كالمحافظين الجدد , والتجمعات الإسلاموية المتصهينة كحكام بعض الأنظمة العربية .. حيث تختص كل منها بنوعية الخدمات التي تقدمها للمؤسسة , كالنشاط السياسي والإعلامي , وأعمال العنف والإرهاب" كعصبة الدفاع اليهودية" , والنشاطات التجارية والمالية لدعم إنشاء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية "الصندوق الوطني اليهودي" والجولان االسوري المحتل , وغيرها من النشاطات المعلنة.. أما الأوجه المستترة لبعض الفروع فتتجلى في المافيا اليهودية – الأمريكية , والمافيا اليهودية – الأوروبية عموماً , التي تختص بإدارة نوادي القمار والمخدرات وتبييض الأموال وتجارة الرقيق الأبيض والإحتيال وإدارة الدعارة المنظمة , ناهيك عن شبكات الموساد وأعمال التجسس والإغتيالات , وتجارة السلاح , وشركات إنتاج وتصدير القتلة كشركة بلاك ووتر الأمريكية. 

إذ تبدي كافة مكونات المؤسسة الإسرائيلية ولائها المطلق "لإسرائيل" بغية تحقيق الأهداف الصهيونية على مساحة العالم , وتقدم دعمها الإعلامي والسياسي والعسكري والإقتصادي , والمالي بما يتجاوز ما هو معلن بكثير .. ومن هنا تبرز أهمية معركتنا الخارجية , التي لا تقل أهميةً عن المواجهة المباشرة ومقاومة المشاريع التي تستهدف سورية.

إن هجرة السوريين خارج وطنهم تعود للعام 1820 وتفاقمت عام 1918 بفضل الإحتلال العثماني , وما تذرعت به دول الإستعمار القديم الفرنسي والبريطاني بالإضافة للدولة الأمريكية , لتحرير سورية من براثنه , فكان من نتائجها هجرة ما يقارب ثلاثة ملايين سوري توزعوا في أمريكا ودول أمريكا اللاتينية وأوروبا , في الوقت الذي كانت تتواجد فيها أكثر من ستة ملايين يهودي , عاشوا فكرة إنشاء وإقامة "الدولة اليهودية" , وكرّسوا كل طاقاتهم لهذا الهدف , ولم يتوانوا عن الهجرة نحو الأراضي الفلسطينية , والتخلي عن حياة أفضل.

إن تركيز الرئيس الراحل حافظ الأسد على القلب السوري الذي يحمل العروبة والقضية الفلسطينية , نهجاً واستراتيجيةً , تابعها الرئيس بشار الأسد بكل عزم واقتدار وتصميم , كان كافياً لإستشعار الأعداء بخطر سورية على مشاريعهم .  

لا بد من مضاعفة التركيز على الهوية السورية , وإلاّ ستبقى مواجهة العدو ناقصة ومشتتة وبدون جدوى , إذ يجد اليهود في المؤسسة الإسرائيلية مرجعيةً تنظم وتقود جهودهم , أما السوريون في المهجر فلا بد لهم من مضاعفة نشاطاتهم المختلفة , والإستفادة من جهود وزارة الخارجية والمغتربين , ومحاولاتها المستمرة لبناء الجسور وتوحيد جهود مواطنيها المحبين والمخلصين وضفرها مع جهود أبنائها في الداخل ..

من الأهمية بمكان , أن تساهم الجهود الشعبية والفردية الذاتية للسوريين في الخارج بفعالية كبيرة , بدعم الشعور بالإنتماء والتمسك بالهوية الوطنية والجذور السورية... ولا بد من دعوة وتشجيع أبنائنا على العودة خصوصاً من غادروا خلال السنوات الأخيرة , والذين يحز في نفوسهم إبتعادهم عن الوطن , ليضعوا حداً لمعاملتهم كمسروقات بشرية فكرية وأيادي عاملة وسلعاً في بازاراتٍ سياسية يستغلها الأعداء , كالعدو التركي الذي لم يتوقف عن استخدام المهاجرين واللاجئين السوريين كأوراق إعلامية وسياسية , وذرائع لإستمرار عدوانه على سورية , ومحاولاته الحالية لتمرير مخططاته الخبيثة تحت عنوان مشروع عودة مليون مواطن سوري إلى مناطق سيطرة قوات احتلاله وإرهابييه ومرتزقته , في الوقت الذي قام فيه بمنح مليون سوري الجنسية التركية , لإستخدامهم في انتخاباته القادمة , وسرقتهم بما يملكون من أموال , وشهادات علمية ومهارات مهنية .

مع كافة الإجراءات والتسهيلات التي تقدمها الحكومة السورية , ومراسيم العفو التي أصدرها الرئيس بشار الأسد , نتمنى أن نرى جحافل أبنائنا في المهجر ودول اللجوء , يعودون وينتظمون في خنادق الوطن ويحملون معه السلاح , وعبئ إعادة إعمار الوطن .. وأن يتبنى من يبقون خارج الوطن , معادلة أن يكون "كل مهاجر سفير" , ويحولونها إلى معادلة "كل سوري مهاجر..جندي" , كي نستطيع إستخراج طاقتنا الكامنة خارج الحدود , وإضافتها إلى الطاقات الداخلية , الأمر الذي سيمنح سورية فائض القوة الذي تحتاجه , للإسراع بتحقيق الإنتصار الكبير والكامل في القريب العاجل.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

6\5\2022

 

No comments:

Post a Comment