Friday, May 27, 2022

خفايا وخلفيات التقارب التركي السعودي - م. ميشيل كلاغاصي


مع نهاية شهر نيسان , قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية , والتقى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز , ثم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان , وكان الوفد التركي المرافق مثيراً للإنتباه خصوصاً وأنه ضم وزراء , العدل والدفاع والمالية والداخلية والثقافة والسياحة ..

مالذي يبحث عنه الرئيس التركي في الرياض , وسط تأكيده : إهتمام البلدين بـ "بتوسيع التعاون في مجالات مثل الرعاية الصحية والطاقة وسلامة الغذاء وتقنيات الزراعة".!

فقد سبق للرئيس التركي أن زار المملكة عام 2017 , قبل أن تتوتر العلاقات بينهما على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في اسطنبول , وسط أجواء إعلامية أضافت على هذا الحدث الكثير من الغموض عوضاً عن توضيح الحقيقة الكاملة , وشيوع عديد الفرضيات والروايات والتقارير الإستخبارية , حيث اختار الرئيس التركي السير وراء الرواية الأمريكية وفيديوهات الإستخبارات التركية , التي تتهم ولي العهد شخصياً بالضلوع بإرتكابها ...

لقد أحرجت هذه القضية , وساهمت إلى جانب عدة هزائم سياسية وعسكرية ودبلوماسية , تلقتها مشاريع المملكة في المنطقة , بدفع الرئيس التركي لإعلان نفسه الزعيم الأقوى في المنطقة , وبدأ يتصرف على أنه القائد الإسلامي والعسكري والسياسي , الذي يحق له فرض رؤيته وإرادته على مختلف الصراعات والحروب في المنطقة.

إن إعتماده على دعم الإخوان المسلمين , بدأ ينهار في المنطقة العربية , الأمر الذي أعاد بعض الأمل للملكة في إستعادة توازنها , ومناسبة للبدء بتغيير سياساتها , التي وقعت تحت مرمى الضغوط الأمريكية منذ أحداث 11/ أيلول , وجعلتها عاجزة عن حماية نفسها وسياستها وعرشها , وأوقعتها فريسة المزاح والسخرية والإبتزاز الأمريكي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب .

ومع ذلك ، فإن جميع إجراءات أردوغان لمعارضة المملكة العربية السعودية توقفت بشكلٍ مفاجئ بسبب القضايا الخطيرة التي واجهتها تركيا نفسها... وبحسب نتائج الاستطلاعات الأخيرة , تبيّن أن نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان ، تراجعت إلى 28.9 % ، في حين تراجعت نسبة تأييد حزب الحركة القومية الحليف إلى 6.1 % , بالتوازي مع هبوط الليرة التركية , ومعدل تضخمٍ سنوي وصل إلى 61.5 % في شهر اّذار , مقابل 54% في شباط , بالإضافة إلى المشاكل والحروب التي وضعت نفسها فيها , كالعمليات العسكرية في شمال العراق , وشمال وغرب سورية , وتوريدات السلاح نحو التركي أوكرانيا.

من الواضح , أن الأوضاع الداخلية المتأزمة , ومتطلبات السياسة الخارجية , كشفت هشاشة الإقتصاد التركي , وعجزه عن تلبية طموحات وأطماع الرئيس التركي , ودفعته نحو التفكير بالمصالحات مع بعض خصومه الإقليميين , والتقارب مع "إسرائيل" والإمارات ومصر والسعودية , إذ ينظر لقدرة هذه الأخيرة على لعب دور الرابط الرئيسي للعلاقات التركية مع مصر , بالإضافة لكونها تشكل بحد ذاتها مركزاً مالياً وسوقاً مهمة أمام صادرات السلاح والبضائع التركية ...  وهذه بمجملها شكلت أسباباً دفعته نحو الرياض ولتعزيز العلاقات الثنائية.

ومن هذه الأهداف اتخذ الرئيس التركي عدة خطوات ساهمت بزيادة الصادرات التركية إلى المملكة بنحو 25% خلال الأشهر الثلاث الماضية , بالمقابل طالب السعوديون بقرارٍ تركي لإغلاق قضية جمال الخاشقجي , وأتى الرد التركي عبر تصريح ابراهيم كالين المستشار الخاص لأردوغان , بأن: "هذا القرار يفتح صفحة في العلاقات بين أنقرة والرياض ، وينهي الخلاف بين قادة البلدين" , وعليه فتحت الرياض أبوابها واستقبلت الرئيس التركي , وسط تجاهل وتخطي لسنوات العداء والإهانات , والتدخل التركي الخطير في الشؤون الداخلية للإمارات ومصر والسعودية عبر أذرعه الإخوانية , وتلك المعارك السياسية والإعلامية والإرهابية , التي دعمتها أنقرة والرياض , في سورية والعراق ولبنان وليبيا والسودان واليمن.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

12/5/2022

 

No comments:

Post a Comment