Tuesday, May 10, 2022

أوروبا بالأصالة تواجه أوروبا بالوكالة والعالم يسير نحو المجهول - م. ميشيل كلاغاصي


أخطأت واشنطن بعدم مصارحة حلفائها والرئيس الأوكراني بأنها تطمح إلى إضعاف روسيا وتحييدها عن المواجهة الكبرى مع الصين، من خلال الأزمة في أوكرانيا، عبر حربٍ أوروبية – أوروبية تخوضها أوروبا بالوكالة ضد أوروبا بالأصالة.

أكد السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنتونوف مؤخراً أنَّ "تصرفات الدول الغربية خلال العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا خطرة واستفزازية. وقد تؤدي مثل هذه الخطوات إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة".

بعد أكثر من 100 عام على الحرب العالمية الأولى، ما زال القادة الأوروبيون يسيرون كالنيام نحو حرب شاملة جديدة؛ ففي العام 1914، اعتقدت الحكومات الأوروبية أنَّ الحرب ستستمرّ 3 أسابيع فقط، لكنَّها استمرت 4 سنوات، وأودت بحياة أكثر من 20 مليون إنسان.

واليوم، يُظهر هؤلاء اللامبالاة ذاتها، ويندفعون وراء تحطيم روسيا والرئيس بوتين وإذلالهما، غافلين عن الأصوات التي طالبت قبل 100 عام بعدم إذلال ألمانيا، وهي القوة المهزومة في الحرب، باعتبار أن ذلك سيشكّل كارثةً حقيقية. وبعد 21 عاماً، عادت الدول الأوروبية إلى الحرب العالمية الثانية. وخلال 6 سنوات، سقط 70 مليون إنسان.

لطالما كرر التاريخ نفسه، لكن بعض القادة لا يتعلّمون، فقد قدّمت الأعوام المئة التي سبقت الحرب العالمية الأولى سنوات للحرب وسنوات للسلام. وإذا كان هناك فضل ما، فهو يعود إلى مؤتمر فيينا 1814-1815، الذي جمع المنتصرين والمهزومين في حروب الثورة الفرنسية وحروب نابليون، في محاولةٍ لخلق سلام دائم مبني على توازن القوى، وسط قناعة لدى الجميع بأن فرنسا نالت نصيبها من أفعالها بخسائر فادحة، وهو ما دفعها نحو توقيع معاهدة فيينا مع النمسا وإنكلترا وبروسيا وروسيا، لتضمن السلام بكرامة.

من خلال مقارنةٍ بسيطة، يمكننا ملاحظة أنَّ حروب نابليون اندلعت بين القوى الأوروبية، في حين أنَّ حرب اليوم تقع بين روسيا – الأوروبية والناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية على أرض أوكرانيا، من أجل تحقيق أهداف جيوستراتيجية تتجاوز أوكرانيا والأوروبيين المشاركين في الحرب بالوكالة الأميركية. 

يدّعي الناتو أن هدفه هو إلحاق هزيمة غير مشروطة بالدولة الروسية، ويتمنى أن تؤدي الحرب إلى تغيير النظام في موسكو، وسط إصرار البريطاني بوريس جونسون وتصريحاته بأن "العقوبات على روسيا ستستمر"، وتصريحات النظام التركي بأن "عودة العلاقات الطبيعية مع موسكو ستستغرق عقوداً طويلة". انطلاقاً منذ ذلك، أي أملٍ يقدمونه لروسيا كي تُنهي عمليتها العسكرية، وخصوصاً أنّها تتقدّم كما خططت وأرادت، وتلحق الضرر بأعدائها على مبدأ الرد بالمثل؟

أخطأت واشنطن بعدم مصارحة حلفائها والرئيس الأوكراني بأنها تطمح إلى إضعاف روسيا وتحييدها عن المواجهة الكبرى مع الصين، من خلال الأزمة في أوكرانيا، عبر حربٍ أوروبية – أوروبية تخوضها أوروبا بالوكالة ضد أوروبا بالأصالة.

أما آن الأوان للرئيس الأوكراني أن يدرك أنَّ تحريض واشنطن والناتو أدى إلى تدمير قوة بلاده العسكرية، وتهجير مواطنيه، وإصابة الاقتصاد الأوكراني في الصميم، ناهيك بالملامح الواضحة للمشروع الأطلسي - الأميركي بتقسيم أوكرانيا؟ ألا زال يستمتع بدور البطولة؟ إنّ البعض يساوونه بهتلر أو نابليون، ولكن أخشى أن يساويه التاريخ بشارلي تشابلن، مع فارق أنَّ الأول قدَّم لشعبه الألم والدمار، فيما رسم الثاني الفرحة والابتسامة على وجوه البشر في كل أنحاء العالم؟

ما الَّذي يدفعه إلى الاستمرار بحربٍ غير متكافئة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً؟ أليس من واجبه جلب السلام لشعبه؟ هل يكون ذلك بخطابات يلقيها أمام الكونغرس الأميركي والاتحاد الأوروبي، وبكيل العبارات الاستفزازية لروسيا وقيادتها، وبمطالبه الدائمة بتزويده بالمزيد من السلاح؟ هل فكّر في الحصول على دعم العالم الحر العاقل الحكيم لإنجاح مفاوضات السلام أو سيكتفي بنَسخ مواقف وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات الأميركيتين؟

لا بدَّ للرئيس الأوكراني والقادة الأوروبيين من إجراء مراجعة فورية لمواقفهم النابعة من رؤية الولايات المتحدة لعالمٍ ترفض التخلي فيه عن هيمنتها وسيطرتها عليه، غير آبهةٍ بدولهم ومصالح شعوبهم، وتخوض حربها الفاشلة ضد روسيا، والتي ستنتهي على غرار هزائمها في أفغانستان وكوبا وفنزويلا وإيران وسوريا ولبنان والعراق واليمن وغير مكان.

م. ميشيل كلاغاصي

27/4/2022

 

No comments:

Post a Comment