Tuesday, May 10, 2022

واشنطن تسعى لوضع موسكو تحت قوس "عدالة" المحكمة الجنائية الدولية - م. ميشيل كلاغاصي

 

لطالما كان للولايات المتحدة مفهومها الخاص تجاه المحكمة الجنائية الدولية , بما يعبر عن سياساتها الخارجية , ويحقق مصالحها , ويؤيد سيطرتها وهيمنتها على المحكمة وموظفيها والدول الأعضاء , ويدعم قفزها على القانون الدولي وهروبها من المحاسبة والعقاب .. إذ تدرك الولايات المتحدة أن غالبية أفعالها تندرج تحت إطار مخالفة قوانين وقرارات هذه المحكمة , وأنها لن تكون بمأمن ولن تنجو بأفعالها وجرائمها ما لم تُحكم قبضتها عليها , واهتمت بشن الحملات الدعائية ضدها وبمحاولات تقويضها.

ومع ذلك , انتقلت من مرحلة تقويضها إلى مرحلة دعمها , وتحويلها إلى أداة لمعاقبة أعدائها , ومن تريد التخلص منهم , وتشويه سمعتهم , بعدما تغلب الضجيج في رأسها لصالح تلميع تاريخها , والتخلص من ماضيها الدامي وجرائم الحرب التي ارتكبتها ضد عشرات الشعوب والدول والإنسانية جمعاء , بعدما وجدت ضالتها بدفع التاريخ الروسي وقيادته السابقة والحالية نحو قوس العدالة الأممي والمحكمة الجنائية الدولية , وبأنها المحكمة الجيدة الموثوقة والصادقة والقادرة على محاسبة المسؤولين الروس في أوكرانيا بشكلٍ خاص , وليس بمحاسبة الأمريكيين والإسرائيليين وقوات الناتو وعسكريي الدول الأوروبية , الذين يشاركون منذ 2014 في ارتكاب جرائم الحرب ضد الأهالي في دونباس , والمحاصرين اليوم في مصانع اّزوفستال في ماريوبل.

من المهم العودة إلى تاريخ واشنطن والمحكمة الجنائية الدولية منذ نشأتها في 2002 , وملاحظة رفض واشنطن الإنضمام إلى ميثاق المحكمة , وقيام إدارة ترامب بتهديد المحكمة , وبفرض العقوبات عليها , وعلى أهم موظفيها عام 2020 , حيث وصفها وزير خارجيته مايك بومبيو بأنها "مؤسسة محطمة وفاسدة تماماً", وقامت إدارة بايدن بإلغاء تلك العقوبات عام 2021 , لكنها أكدت معارضتها لإجراءات المحكمة في الملفين الأفغاني والفلسطيني.

مؤخراً وفي 15/ آذار ، صوّت وأقرّ مجلس الشيوخ بالإجماع القرار رقم 546 ، الذي يسمح بإستخدام المحكمة الجنائية الدولية في الملف الأوكراني , والإستفادة من الحملة الإعلامية الأمريكية - الأوروبية ضد روسيا و"بإرتكابها جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية", وترجمتها تحت قوس "العدالة" الأممية المسيسة في ظل الهيمنة الأمريكية عليها.

حيث افتتح مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ، تحقيقًاً لما يحصل في أوكرانيا , خَلُصَ فيه من خلال الفحص الأولي , إلى "أساسٍ معقول للإعتقاد بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا" , وحول "الغزو الروسي الذي يشكل عدواناً غير قانوني" , و"ما يستجد إرتكابه من أي طرف على الأراضي الأوكرانية" , علماً أن مناقشة حالة "العدوان" ليست من اختصاص هذه المحكمة , والتي اعتمدت على قانون روما كأساس لها , والذي تعرّفه المادة الثامنة , بأنه الفعل العدواني الناتج عن استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي ، أو بأي طريقة أخرى يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة , الذي بدوره يسمح أيضاً بإستخدام القوة العسكرية للدفاع عن النفس أو بموافقة مجلس الأمن.

وفي ظل قراءة موسكو لما تخططه واشنطن عبر استخدام المحكمة الجنائية الدولية , أكد سيرغي ليونيدشينكو رئيس القسم القانوني بالبعثة الدائمة الروسية لدى الأمم المتحدة أن المحكمة الجنائية الدولية ، تكاد تكون أداة سياسية وبعيدة عن العدالة , وأشار إلى نظيريه الأمريكي والبريطاني , وكمّ الجهود التي بذلاها في جلسة مناقشات الأمم المتحدة في 28/نيسان , لحماية جيشيهما من المحكمة الجنائية الدولية" , التي لن تُعير تحقيقاتها جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأمريكية والبريطانية في أفغانستان والعراق وسوريا , بما يكشف مدى غياب حيادية المحكمة وعدالتها , التي تحولت - بحسب ليونيدشينكو- إلى "مهزلة".

لا يمكن تجاهل حقيقة النفاق الأمريكي والدول التي تدور في فلكها , وتمسكها بسياسة ازدواجية المعاير , ومسرحيات إصابتهم بالرعب والألم والحزن , في حال سقوط مدنيين في أوكرانيا نتيجة القصف الروسي , ولا تنتابهم المشاعر ذاتها , عندما يُقتل المدنيون على أيدي جنودهم ومرتزقتهم وشركات القتل خاصتهم ( بلاك ووتر ) وغيرها , في العراق وسوريا واليمن وفلسطين المحتلة , وسط استمرار إدارة بايدن بمعارضة تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية حيال جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة , والضفة الغربية، والقدس .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

2/5/2022

 

No comments:

Post a Comment