Saturday, July 9, 2022

كماشة اليمين واليسار الفرنسية أطاحت بماكرون وقضت على طموحاته الأوروبية م. ميشيل كلاغاصي


بعد أقل من شهرين على إعادة انتخابه رئيساً ، فقد إيمانويل ماكرون السيطرة على الجمعية الوطنية الفرنسية , ولم يفلح في الفوز بعدد المقاعد التي كان يحتاجها للحفاظ على سيطرته على الجمعية الوطنية , بفضل "كماشة" التحالف اليساري الواسع بقيادة جان لوك ميلينشون ,واليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان , على الرغم من تموضعهما على طرفي نقيضٍ سياسي , لكنهما امتلكا الطموح ذاته بمعارضة حكومة ماكرون التي ادعت الوسطية , وبدا المشهد وكأنهما اقترعا على ثيابه , وتقاسما مقاعد الجمعية الوطنية التي كانت بحوزته لخمس سنوات مضت , حول فيها فرنسا إلى دولة هزيلة , ومطية لغطرسته وعجرفته وطموحاته الأوروبية والدولية , فما عادت فرنسا تشبه فرنسا , وما عادت تفوح روائح عطورها الباريسية , وتعفنت أجبانها على معقد الرئاسة الماكروني , اللاهث وراء السياسة الخارجية الأمريكية والإتحاد الأوروبي , مبتعداً عن الهوية والإنتماء الفرنسي , فغابت العدالة , وتراجعت مكانة فرنسا الأوروبية والدولية , وسار بعكس مصالح الشعب الفرنسي , وحمل علم الإتحاد الأوروبي تحت قوس النصر, وتدهورت أوضاعها الداخلية , وظهرت ستراتها الصفراء ومشاغبيها , وتعنت قومييها , وسط قلق شعبويها , ووصول فقرائها ومتقاعديها من الطبقة الوسطى إلى حد الحرمان والجوع , بعدما نسي وعوده التي لم يحقق منها شيئاً خلال الخمس سنوات الأولى , وفاز بالرئاسة ليمدد وعوده لخمسة أعوامٍ أخرى بلا ضمانة أوحتى ثقة.

لقد حققت كل من لوبان ويمينها المتطرف , وميلينشون وتحالفه اليساري , ما لم يكن يتوقعه أحد , وأدى نجاحهما إلى إلحاق هزيمة مدوية بالحزب الرئاسي , كعاصفةً باريسية , فاجئت رئيسة الوزراء الجديدة إليزابيث بورن التي وصفت النتائج والوضع الجديد بأنه "غير مسبوق" , واعتبرته "يمثل خطرا على فرنسا نظراً للمخاطر التي تواجهها على الصعيدين الوطني والدولي" , فيما إعتبرت لوبان أن "مغامرة ماكرون انتهت" وبأنه أصبح رئيساً لحكومة يشكل فيها وحزبه الأقلية.

فقد ضاعف ميلينشون مقاعده وتحالفه اليساري إلى 131 مقعداً , كذلك لوبان قفزت حصتها من ثماني مقاعد إلى 89 مقعداً , وبذلك ستشهد الساحة الفرنسية أقوى جبهة معارضة داخلية , لن تسمح لماكرون بالتفرد بإتخاذ القرارات , وبتنفيذ رؤيته الخاصة في الإصلاحات , التي تتعارض مع غير رؤى للوبان وغيرها , بما يمكن أن يؤدي إلى خلافات داخلية وتسويات ومفاوضات وشلل سياسي على مدى السنوات الخمس القادمة , الأمر الذي يخشاه جميع الفرنسيين.

فقد وعد الرئيس ماكرون بمعالجة إرتفاع تكاليف الأوضاع المعيشية , وبإصلاح المزايا , وخفض الضرائب وبرفع سن التقاعد تدريجياً من 62 إلى 65 , , في وقتٍ يملك منافسيه ومعارضيه اليوم , أفكار مختلفة تماماً حول كيفية واّلية تنفيذ الإصلاحات , خصوصاً ما يتعلق بمسائل إصلاح سن التقاعد , وقضايا الطاقة الهوائية وحياد الكربون , وعشرات القضايا , التي تقتضي مناقشة حقيقية لإنشاء مجلس وطني لمواطني الجمهورية الفرنسية , للمساهمة بالحد من الأزمات والخلافات الداخلية , ولجعل فرنسا أكثر ديمقراطيةً. 

يبدو أن النجاح الباهر للتحالف اليساري الفرنسي , بالتوازي مع فرحة دول وشعوب أمريكا اللاتينية , بوصول اليساري غوستافو بيترو إلى الرئاسة في كولومبيا بعد سنوات طويلة لغياب اليسار عن المشهد السياسي , بالإضافة للأوضاع الصعبة للحكومات الأوروبية اليمينية , التي وضعت نفسها في المركب الأمريكي الغارق , وما كشفه فشل الحرب الأمريكية الأطلسية على روسيا وأوكرانيا والقارة الأوروبية , بعدما كادت ألوان اليمين تصبغ العالم كله .. إذا كان من المبكر بإعتقاد البعض الحديث عن هزيمة اليمين , لكن عودة اليسار إلى الواجهة باتت واضحة , مع ثبات أعداء اليمين بالمفهوم الغربي , في كل من الصين روسيا وفنزويلا وإيران وسورية وغير دول , وستشكل عاملاً هاماً في التحول القطبي العالمي وتحالفاته وتوازناته الجديدة.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

20/6/2022

 

No comments:

Post a Comment