Sunday, January 16, 2022

واشنطن وحسابات تصاعد المقاومة السورية - ميشال كلاغاصي


يوماً بعد يوم تتصاعد في سورية وتيرة الغضب الشعبي والرسمي على حدٍ سواء , تجاه الوجود اللا قانوني لقوات الإحتلال الامريكي على الاراضي السورية , بالتوازي مع المطالبات التي لم ولن تتوقف بالمطالبة بخروج وإنسحاب القوات الأمريكية ومجموعاتها الإرهابية من سورية .

فمشاعرالغضب والإستياء لا تعود فقط للسلوك الهمجي لقوات الإحتلال الأمريكي ومرتزقته والمجموعات الإنفصالية , وعمليات السرقة المنظمة لثروات الدولة والشعب السوري فقط , بل للعنفوان والكرامة السورية التي يعرفها القاصي والداني حول العالم , ولم يذكر التاريخ محتلاً أو مستعمراً أو غازٍ وطأت أقدامه أرض سورية وإلا وواجه مقاومة شرسة , كبدته الكثير من الخسائر البشرية , وأفضت إلى خروجه ذليلاً ....

فعلى ماذا يراهن الإحتلال الأمريكي , مع فشله حتى اليوم بالتقدم خطوةً واحدة بإتجاه تقسيم سورية , وتحديداً في شرقها , حيث لا يمكنه التعويل على حفنة إرهابيين إنفصاليين , لم يستطع المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية "جيمس جيفري" توحيدهم , ووصفهم الرئيس ترامب بالجبناء , ونالوا الحظوة الأمريكية بفضل دورهم بإيواء "داعش" وبإعادة إظهاره كلما دعت الحاجة , وحسبهم  يرضون بما ينهبون ويهرب بعض قادتهم كلما امتلئت جيوبهم , وعن أي كانتون قبلي – عشائري يتحدث , وسط الإنضمام المتزايد لزعماء العشائر العربية إلى الركب السوري الوطني الأصيل المتجذر في عروبتهم ووطنيتهم , في وقتٍ طالت بعضهم يد الغدر الأمريكية وأدواتها الإنفصالية , نتيجة مواقفهم الوطنية.

وبحسب تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال عشرية الحرب على سورية , فَقَدَ 36٪ من السوريين منازلهم ، وتحول 6.6 مليون مواطن إلى لاجئين داخليين ، وأصبح ما يقارب 13.4 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية , بالإضافة إلى حوالي 5.6 مليون مواطن غادروا سورية منذ عام 2011 ...

هذا كله بفضل الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها وتنظيماتها الإرهابية على سورية ...

ومن خلال مراقبة السلوك الأمريكي وتتبع أهدافه , بات واضحاً بعد الفشل الذريع في إسقاط الدولة السورية , إعتماده على "خدمات مرتزقته دولاً وتنظيمات ومجاميع إرهابية" , وحصره في إطار إطالة أمد الحرب والحصار ,عبر دعم وتعزيز دور وحدات جيش الإحتلال الأمريكي ومئات الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة , بنهب ثروات وموارد الدولة والشعب السوري من النفط والقمح والاّثار , وبتحريك المشهد على الأرض , وإملاء الأوامر لتنفيذ كل شاردة وواردة , وعلى طريقة الإتصال والحوار مع دمشق.

ومن خلال يوميات الحرب على سورية , يمكن رصد قائمة طويلة من الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة , ولم يعد العالم والمجتمع الدولي بحاجة إلى المزيد من عمليات التوثيق كي يُقر ويعترف بها , كإحتجازها لأكثر من 57 ألف لاجئ في مخيم الهول شمال سورية , ومن بينهم 30 ألف طفل – بحسب وزير الخارجية السوري في مقابلة مع التلفزيون الرسمي السوري , في نهاية شهر كانون الأول - ، حيث :"طالبت السلطات السورية أوروبا مراراً بإعادتهم إلى بلادهم".

في الوقت الذي أوجد الأمريكيون في منطقة التنف الواقعة تحت سيطرتهم , مخيمات يختبئ  فيها إرهابيو ما تسمى "مغاوير الثورة" على أنهم مدنيون يبحثون عن اللجوء والغذاء والدواء , ويستحوذون على المساعدات المساعدات الإنسانية على حساب المدنيين الحقيقيين ويزيدون من معاناتهم , بالإضافة إلى ما يتقاضونه من أجور تصل إلى 400 دولار ,  لقاء مشاركتهم في العمليات الإرهابية التي تشرف عليها القوات الأمريكية , ناهيك عن إعتماد قاعدة التنف ملاذاً ومنطلقاً وقاعدةً لإرهابيي تنظيم "داعش" , وتحت حمايتها.

إن تمركز قوات الإحتلال الأمريكي في منطقة التنف الحدودية الإستراتيجية , جعله يشعر بأنه في مأمن ودفعه لتجاهل مطالب الدولة والشعب السوري بالإنسحاب ومغادرة الأراضي السورية , ولا بل بالتمترس داخلها وبإطلاق النار وتدمير كل من يقترب منها بدائرةً قطرها 50 كم .

وعن جرائم الجيش الأمريكي في سورية , تحدثت مؤخراً وبشكل مفاجىء صحيفة نيويورك تايمز , عن عمليات قتل مئات المدنيين , عبر مقاتلي ما تسمى مجموعة "تالون أنفيل" – دلتا , التابعة للجيش الأمريكي خلال الفترة من 2014-2019 , بإستخدام طائرات هجومية مسيرة , أودت بحياة 120 شخصاً من المدنيين الأبرياء. 

إن تقاعس المجتمع الدولي , وتجاهل الأمم المتحدة ومجلس الأمن للجرائم الأمريكية المرتكبة في سورية , واستمرار عمليات سرقة النفط والثروات السورية , ودعم عصابات "قسد" الإرهابية التي عاثت فساداً وظلماً بحق الأهالي , ساعد على نشوء مقاومةٍ شعبية مدعومة من الدولة السورية , ومع مرور الوقت بدأت تتبلور معالمها , وتُراكم عملها وعملياتها في مقاومة قوات الإحتلال الأمريكي ومرتزقته , بالتوازي مع توفر حاضنة شعبية غاضبة تخرج بشكل يومي للتظاهر ولطرد هؤلاء الإرهابيون , اللذين لم ينفكوا عن قطع المياه والكهرباء , وحرق وسرقة المحاصيل الزراعية , ومداهمة المنازل , وإقتياد الشبان إلى أماكن مجهولة , وإجبار بعضهم على حمل السلاح في صفوفهم , ناهيك عن عمليات التكريد والتغيير الديموغرافي القسري.

وقد تم تنفيذ عدة عملياتٍ وهجماتٍ عسكرية على القواعد الأمريكية في سورية , وأخذت تتصاعد وتيرتها في الاّونة الأخيرة , وبإستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار , وتحولت قاعدة التنف إلى مصدر بدأ يقلق إدارة البيت الأبيض , وهي ترى إندفاع الأهالي لصد ومؤازرة وحدات الجيش العربي السوري لمنع تحرك بعض الأليات والعربات والمدرعات الأمريكية , وإجبارهم على العودة من حيث أتوا , وربما لأجل إجبارهم على السير في طريق "محسوب" , الأمر الذي أخذ يدب الرعب في قلوب جنود قوات الإحتلال الأمريكي , في حين أفقدهم أعصابهم الهجوم مؤخراً على قواعدهم في حقل كونيكو شمال محافظة دير الزور.

فإذا كانت إدارة بايدن لا تمتلك حقاً استراتيجية واضحة في سورية كما ادعت الـ واشنطن بوست , وأنها لا تشكل أولويةً بالنسبة إلى جدول أعمالها , لكن هذا لن يعفيها من التفكير الجدي في استراتيجية الإنسحاب من سورية , فقد اختبرت حكمة وقوة الرئيس بشار الأسد , وصلابة الجيش العربي السوري , وشدة بأس الشعب السوري , وعليها ألا تخطىء الحساب ثانيةً.

ميشال كلاغاصي

11/1/2022

 

No comments:

Post a Comment