Wednesday, January 26, 2022

تركيا من صفر مشاكل .. إلى رأس حربة في كازاخستان وغير صراعاتٍ دولية - م. ميشيل كلاغاصي


بضعة سنوات منذ بادية القرن الحالي , كانت كافية لتأكيد المؤكد , وبأن تركيا الإمبراطورية العثمانية , لا تختلف كثيراً عن الدولة التركية الحديثة , على الرغم من إطلاق رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو , شعاراً سياسياً تحت عنوان "صفر مشاكل" , إلاّ أنها انطلقت بسرعة فائقة نحو تطبيقٍ معاكس , لا يعتمد على نهجها السياسي وقدرة ساستها , بقدر ما يعتمد على قدراتها العسكرية وقوة الجيش التركي وتجنيد المرتزقة والمتطرفين , لتحقيق أهدافها , الأمر الذي دفعها لإعتماد استراتيجية إثارة المشاكل والصراعات مع جيرانها , وخصومها وأعدائها ....

فقد أظهرت الإضطرابات التي شهدتها كازاخستان مؤخراً , حماسةً تركية مختلفة عمّا أبدته في كافة الساحات التي ساعدت بإشتعالها على مدى الـ 10 سنوات الماضية , وأقحمت نفسها لاعباً وطرفاً أساسياً في يوميات "الثورات الملونة" , التي سرعان ما ظهرت على حقيقتها مع ظهور الأسلحة والإرهابيين, واختفاء أصحاب المطالب والشعارات السذج أو العملاء.

من الواضح أن الحماسة التركية في كازاخستان , تخطت حماسة أجهزة استخباراتها , وسياسييها , ورجال أعمالها , وجميع الذين يلوذون وينضوون وراء الأوامر والتحركات والأهداف التركية من الكازاخ والأوكران وغيرهم ... ممن يؤمنون بضرورة التحالف مع أنقرة , على أساس المفهوم الذي ولد من رحم النزعات والحركات القومية التي لطالما عارضت الإمبراطورية الروسية والإتحاد السوفيتي السابقين والدولة الروسية حالياً ، من خلال ما دعي بـ "مشروع طوران العظيم" , الذي يعتبر بإختصار شديد بالخطة التركية لإستعادة الأراضي العثمانية , من بحر الإدرياتيك إلى سور الصين – بحسب الرئيس التركي السابق تورغوت أوزال - ، بالإعتماد على الجغرافية التي وطأتها الأقدام "الشعوب" التركية التي يجمعها شيءٌ من العرق والتاريخ واللغة ، لتشكل تحت هذه العناوين قوميةً "طورانية" تركية مختلفة عما تعنيه القومية لغير دول وشعوب.

من خلال سيره على خطى الأسلاف , حاول رجب طيب أردوغان أن يكون أحد أبطال مشروع "طوران" , عبر التركيز على إيديولوجية تجمع الناطقين باللغة التركية , من البلقان إلى سيبيريا وشينجيانغ , وفي كلمته أمام "منظمة الدول التركية", قال : "تركستان هي موطن أجدادنا , نحن عائلة كبيرة من 300 مليون يتحدثون نفس اللغة ، ويؤمنون بنفس الدين ، ولدينا نفس التاريخ والثقافة ، وينظرون إلى تركيا بنفس الطريقة التي ننظر بها إليها, ويعتبرون تركيا وطنهم "

إن سيطرة الولايات المتحدة على كافة مفاصل الدولة التركية , التي ولدت بعد مرض وتفكيك الإمبراطورية العثمانية , دفعها للإعتماد عليها في تحدي سيادة كازاخستان , وقوة حفظ السلام في دول منظمة الأمن الجماعي , من خلال مشروع الأكبر في تحدي كلٍ من روسيا والصين , وهذا الدور السيئ لتركيا , يأتي في سياق تكليفها لتقوم بدور الدولة المارقة , ليس في كازاخستان والقرم وأوكرانيا وبيلاروسيا وأرمينيا وأذربيجان وأفغانستان وليبيا فقط , بل في أماكن وبلاد أخرى.

فمنذ إنهيار الإمبراطورية العثمانية , اتجهت تركيا نحو تجميع ما تعتقده شتاتها وسعت لربطه مركزياً بأنقرة , عبر مشروع "طوران", والذي قامت من خلاله بإحتلال وإنتزاع لواء الإسكندرون السوري من حضن الدولة السورية في العام 1936 , ومقاطعات ومدن الشمال السوري مثل كيليكيا ومرعش غازي عنتاب ..إلخ , وتابعت مخططها في الحرب الحالية على سورية وعينها على اقتطاع مدينة حلب , وعشرات البلدات والقرى الواقعة على الشريط الحدوي الشمالي الحالي , من أقصى غربه إلى أقصى شرقه ... بالإضافة , إلى غزو شمال قبرص عام 1974 , ودورها في ناغورني كاراباخ عام 2020 , وتحركاتها المريبة في اّسيا الوسطى وأفريقيا ... 

بات واضحاً الإستهداف التركي للنفوذ الروسي أينما وجد , وتحول عملها الدؤوب للنيل من قوة روسيا وسيطرتها الإقتصادية , وبتركيز هجومها على القومية الروسية ، التي تعتقدها من أهم اسباب قوة دولة روسيا الإتحادية الحالية , ولهذه انخرطت خارج حدودها في مشاريع بناء حوالي مائة مسجد ومدرسة دينية في كازاخستان , وسعيها لإستقطاب وتدريب وتخريج أعداد كبيرة من ضابط الجيش الكازاخي من المؤسسات العسكرية التركية , ناهيك عن الإهتمام بعقود شراء وتوريد الأسلحة إلى كازاخستان , كالمدرعات ومركبات المشاة القتالية , والطائرات بدون طيار من طراز "بيرقدار" ..إلخ.

وسط كل هذه التحضيرات داخل البيئة الكازاخية , يبدو أن الرئيس التركي فوجئ بقرار نظيره الكازاخي بالسرعة التي طلب فيها مساعدة روسيا ومنظمة الأمن الجماعي , وكان يأمل ببعض الوقت ليتسنى لمؤيديه من سياسيين ورجال أعمال للضغط على الرئيس الكازاخي لطلب المساعدة والتدخل ونشر القوات التركية داخل البلاد , لخلق دور تركي يزاحم فيه غرف العمليات السرية الأمريكية والإسرائيلية وعلى وجه الخصوص في ألماتي , حيث كانت تدار التحركات وعمليات الخراب والتدمير واستلام الإمدادات العسكرية الخارجية , وقيادة الإرهابيين الذين يعرفهم أردوغان تمام المعرفة , وأشرف على تدريبهم في غرب اّسيا , لكن سرعة التدخل الروسي وقوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الأمن الجماعي , بالإضافة إلى القوات الكازاخية , تم إسقاط المؤامرة التي سعت إليها واشنطن وحلفائها من جهة , وإسقاط المخطط التركي "الطوراني" من جهةٍ أخرى.

على الرغم من العلاقات التركية الروسية والصينية , والتي تحرص كلاً من أنقرة وموسكو وبكين للحفاظ عليها , إلاّ أنها لم ولن تكون الصديق الوفي والجار الذي يؤتمن جانبه روسياً أو صينياً , لكن موسكو والرئيس بوتين نجحا مراراً في كبح غضبهما , واتباع سياسة طويلة النفس , استطاعت من خلالها , التأثير ولو جزيئاً على المواقف التركية , واستغلال أطماعها وأحلام "سلطانها" , لسحب تركيا أبعد ما يمكن عن الحضن الأطلسي , الأمر الذي أثبت نجاعته في خلق أدوارٍ أخرى لتركيا , تعرقل المخططات والشرور الأمريكية , وتضعف قدرتها على استخدام الوجه الإستعماري لتركيا.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

21/1/2022

 

No comments:

Post a Comment