Sunday, January 16, 2022

النظام السعودي ما بين قيادة عملية التطبيع والتوقيع عليها - م. ميشيل كلاغاصي

بعد توقيع كيان العدو الإسرائيلي اتفاقيات "إبراهيم" في العام 2020 لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين ، ثم مع المغرب ، بدأ الحديث عن احتمالية أن تكون المملكة العربية السعودية هي التالية , تحت تأثير الدور الأمريكي النشط والفاعل في عملية التطبيع بشكل يفوق نشاط الكيان الإسرائيلي ذاته , بالإضافة لتراجع دور ونفوذ المملكة في المنطقة , وتكبدها وأدواتها الإرهابية عدة هزائم عسكرية كما حصل في سورية , وكما يحصل حالياً في اليمن , ناهيك عن نتائج حصادها السياسي الذي يقودها من هزيمة إلى أخرى , في وقتٍ تتطلع فيه نحو إدخال تعديلات على سياستها الخارجية , على خطى دولة الإمارات , إذ يفترض يقودها ذلك نحو استقرارٍ في علاقاتها مع إيران , لكنها تتوجس إستياءاً وغضباً أمريكياً - إسرائيلياً , يدفعهما لفرض تسريع تطبيعها العلني , بما يخالف روزنامتها الخاصة.

فالتطبيع السعودي حاصل بطريقة أو أخرى , ويقف عند حدود الإعلان عنه , إذ بات من المعروف أنها صاحبة اليد الطولى في دفع "العرب" نحو التطبيع , فالعلاقات السعودية – الإسرائيلية الحديثة , تعود بالأساس إلى العلاقة الشخصية الوثيقة بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وغاريد كوشنر , صهر الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب , وأحد مسؤولي وزارتي الدفاع والخارجية في عهده , والذي أناط بالمملكة وتحديداً بشخص ولي العهد مهمة تسويق صفقة القرن وقيادة عملية التطبيع , وبالمقابل مُنح أدواراً ودعماً خارجياً ساعده على إقصاء خصومه في الداخل , والتطاول نحو دق عنق الصحفي السعودي جمال الخاشقجي – بتأكيدات أمريكية - , وخطف رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري.   

وعلى الرغم من إختلاف أوزان وحجوم وأهمية الدول العربية المطبعة , إلاّ أن الإسرائيليين لا زالوا يعتبرون أن التطبيع مع المملكة العربية السعودية هو الأهم بالنسبة إليهم , كونها الدولة العربية الأهم في نظرهم – وبحسب استطلاع أجراه معهد ميتفيم - , بالإضافة إلى معلوماتٍ صحفية أشارت إلى اللقاء الثلاثي عام 2020 الذي جمع ولي العهد وبنيامين نتنياهو ومايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي السابق , الذي أكد بعد اللقاء , بأن مسألة التطبيع مع المملكة هي مسألة وقت .

لكن هذا لم يحصل حتى الاّن , ولا يمكن الجزم أو التكهن , بمدى إرتباط ذلك بتراجع العلاقات الأمريكية –السعودية عموماً , أو بحجم الجدل حول رغبة واشنطن الحقيقية في التمسك بعلاقتها مع ولي العهد , على تورطه بإغتيال الصحفي جمال الخاشقجي , وبإستمرار التوافق الأمريكي – الإسرائيلي حول شخص ولي العهد .

ولا يمكن إغفال التصريحات السعودية المتكررة , حيال تقدم عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية , وتأكيدها المستمر على إلتزام الرياض بالقضية الفلسطينية , وهذا بالضرورة يعيد الذاكرة إلى مبادرة السلام التي روج لها السعوديون على مدى عقود , فيما عرف بمبادرة أو خطة الملك فهد عام 1981 , بالإضافة إلى ما طرحته المملكة عام 2002 من بيروت , فيما عرف بالمبادرة العربية للسلام . 

في الوقت الذي تعاملت المملكة مع سلطات الكيان , وشاركت عبر كبار مسؤولييها في عديد الحوارات والمؤتمرات الأمنية , مع نظرائهم الإسرائيليين , وخصوصاً حول ما دعي بـ"الخطر الإيراني" ,  ناهيك عن الزيارات غير الرسمية للوفود ما بين القدس والرياض , وكل ما من شأنه بناء وتعزيز الثقة بين الطرفين , كزيارة المعابد اليهودية في الخارج , وتصاريح الطيران من وإلى "إسرائيل" عبر المجال الجوي السعودي , ولم تبتعد الرياضة عن هذا السياق , فقد راقب العالم مؤخراً مبارة في لعبة الجودو ما بين لاعبة سعودية ونظيرتها الإسرائيلية في دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو .

ومع ذلك , لم تتوقف المملكة عن إعلان أن العلاقات مع الإسرائيليين لن تتم إلا بعد عودة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات , كما أشار وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان في 15 تشرين الأول , وأكد أن :" عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضرورة استراتيجية للمنطقة" .. ناهيك عن الكلام الصريح والمباشر لمندوب المملكة لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي , لصحيفة "عرب نيوز" السعودية , حيث أكد استعداد المملكة لإتخاذ خطوة نحو التطبيع مع "إسرائيل" في حال بدأت هذه الأخيرة بالإمتثال لمتطلبات مبادرة السلام العربية لعام 2002 , كذلك أكد على أنه "بمجرد تنفيذ هذه المتطلبات فإن السعودية ستعترف بـ"إسرائيل"، وسيتبعها العالم الإسلامي بأكمله وأعضاء منظمة التعاون الإسلامي الـ 57 ستحذو حذو المملكة " , وشدد على أن مفتاح السلام يكمن في الحل العادل للقضية الفلسطينية.

على الرغم من أن تسوية العلاقات السعودية الإسرائيلية , تعد إغراءاً كبيراً للإسرائيليين , إلا أنهم غير مستعدين للمضي نحو السلام , ولا زالت عقلية طرد العرب والتوسع وبناء المستوطنات تأسر عقولهم , ومع الواقع المرير لتشرذم الأمة العربية , لا يمكن لأحد إقناع سلطات العدو بالسلام العادل , ولن يكون بمقدور الملك السعودي الحالي نسف عقود لمواقف وتصريحات المملكة , ولا يبدو مع تقدمه في السن وتراجع حالته الصحية , أنه مستعد لإنهاء حياته كرجل خائن لفلسطين والفلسطينيين , وبتوقيع تطبيعٍ مجاني مذل على غرار من سبقوه في العالم العربي ,  وقد يحتاج الأمر وقتاً إضافياً , لحين قدوم الملك الجديد , ومن تراه يكون ؟.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

14/1/2022

 

 

 

No comments:

Post a Comment