في أجواء معقدة ملبدة بالغيوم الحربية والمشبعة بإحتمالات "هطولات" الحرب التقليدية والنووية , المغلفة بالحرب الإقتصادية والعقوبات .. فعلى مدى أكثر من 20 يوماً فصلت ما بين نشر موسكو مسوداتها للضمانات الأمنية , وحصول اللقاء مع واشنطن في العاشر من ك2/يناير في جنيف ... لم تتوقف إستعدادات الطرفين الروسي والأمريكي – الأطلسي - الأوكراني على الأرض , وبتحضير أوراق الساسة والمفاوضين , وبتصريحات متبادلة أرهقت الناطقين الإعلاميين الرسميين قبل الصحفيين والمحللين والمهتمين.
فقد قامت روسيا , قبيل نهاية عام 2021 ، بنشر مسودة اتفاقياتها مع الولايات المتحدة , ومع حلف شمال الأطلسي , حيال الضمانات الأمنية , حيث طالبت موسكو شركائها الغربيين بضمانات قانونية ضد التوسع الإضافي لحلف شمال الأطلسي نحو الشرق ، وبعدم ضم أوكرانيا وإنشاء قواعد عسكرية في دول ما بعد الإتحاد السوفيتي.
وسط إهتمام وترقبٍ عالمي , انتظر الجميع اللقاء , بعدما بات العالم بحاجة "إلى تغييرات جذرية في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي" - بحسب الوزير لافروف-.
وما بين الإتهامات الغربية والأوكرانية المتكررة للدولة الروسية بإرتكابها "أعمالاً عدوانية" , واقتراب الناتو من "عتبة دارنا" بحسب الرئيس الروسي , ثمّن الكثيرون مبادرة موسكو والرئيس بوتين تحديداً , بتقديم مشروع الضمانات الأمنية.
وفي العاشر من ك2/ يناير , عقد اللقاء المرتقب في جنيف , وتقدم رئيسا الوفدين , سيرغي ريابكوف وويندي شيرمان واستغلا الكورونا ولم يتصافحا .... وانتهى اللقاء الأول بإنتصارٍ روسي بحسب غالبية الصحف الروسية والغربية والأمريكية.
فقد أشادت غالبية وسائل الإعلام الغربية حول محادثات الضمانات الأمنية , واعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن ما حصل في اللقاء الأول في جنيف هو "إنتصار ٌ روسي , لكن بدون تنازلات أمريكية" , إذ استطاع الروس "إبراز قضية توسع الناتو" , التي لطالما أثارت غضب الرئيس بوتين , في حين شكرت صحيفة لوموند الفرنسية روسيا , التي بفضل مقترحاتها للضمانات الأمنية , أنقذت الناتو من حالة "الموت الدماغي" التي تحدث عنها الرئيس إيمانويل ماكرون سابقاً , ودفعت الحلف إلى الحوار مع موسكو , فيما أبدت فيه صحيفة الغارديان نوعاً من التحفظ , واعتبرت أن نتائج مثل هذه اللقاءات لا تظهر بشكلٍ فوري , وقد يتم التوصل إلى حل للأزمة الحالية خلال إسبوع , لكنها لم تستبعد الخيار المعاكس والإنهيار الكامل للمفاوضات , في حين أكدت صحيفة التايمز إتفاق الجانبين على مواصلة الحوار , على الرغم من عدم تفاؤلها بالتوصل إلى إتفاق قريباً , كذلك أشارت
صحيفة ديلي إكسبرس إلى غياب المؤشرات بحدوث إنفراج قريب.
في وقتٍ يعتقد فيه الروس أن على واشنطن تقديم التنازلات , لم ير الكرملين بعد إنتهاء اللقاء الأول في جنيف سبباً يدعو للتفاؤل , خصوصاً مع استمرار واشنطن بإستراتيجية الترهيب والعقوبات على الدولة والرئيس بوتين , وعلى الإقتصاد الروسي , وبعض الكيانات المالية والمصارف الروسية , التي قررت وضعها على "القائمة السوداء" , بالإضافة إلى التهديد بمشروع عقوباتٍ جديد , تقدم به 25 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ الأمريكي , تحت عنوان "قانون حماية سيادة أوكرانيا" , يتضمن حظر التعامل مع الديون السيادية الأولية والثانوية لروسيا ، وبفرض قيود على ثلاث مؤسسات مالية , بالإضافة إلى عقوبات "ضد أصحاب خدمات الرسائل المالية المتخصصة".
وبحسب صحيفة واشنطن بوست , فقد أيد مجلس الأمن القومي الأمريكي , إدارة بايدن لإصدار "قانون" خاص بهذه المقترحات , ويأتي هذا التصعيد الجديد في سياق إعلان واشنطن المتكررعبر نائبة الرئيس كامالا هاريس والوزير بلينكن ونائبه فيكتوريا نولاند , عن استعداد بلادهم لفرض عقوباتٍ "غير مسبوقة" بحق روسيا , في حال اندلاع نزاع عسكري بين موسكو وكييف.
في حين ردت المتحدثة بإسم الخارجية
الروسية ماريا زاخاروفا , على التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على روسيا بأن
:"موسكو لم تتفاجىء , وتعرف كيفية الرد"
وفي وقتٍ
يدخل الساسة والإعلام حلبة المصارعة , يؤكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف ، أن "تحركات
القوات الروسية داخل أراضيها يبنغي ألا يزعج أحد , وأن لا يعتبر تهديداً لأحد"
, في وقتٍ ترى فيه موسكو أن تسويق التصريحات حول "العدوان الروسي"
تستخدم كذريعة لبناء قوة للناتو على الحدود الروسية مباشرةً , كذلك يرى الوزير
لافروف أن عدد المدربين الغربيين في دونباس قد إزداد بما يشكل تهديداً مباشراً
للأمن القومي الروسي , وبحسب المتحدثة بإسم الخارجية زاخاروفا , فقد "أرسلت
كييف 125 ألفاً من الجنود والضباط إلى جنوب شرق البلاد , بما يعادل نصف الجيش
الأوكراني".
في الوقت نفسه ، أكد أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني ، أليكسي دانيلوف ، في مطلع هذا الشهر , أنه :"لم يتم تسجيل حشد كبير للقوات الروسية , وبأنه لا يرى خطر عدوانٍ روسي على بلاده"... لكن واشنطن تسمع وتفعل ما تريد , وتدفع دائماً بالقطيع الأطلسي والأوروبي أمامها.
ميشال كلاغاصي
13/1/2002
No comments:
Post a Comment