Friday, January 14, 2022

إردوغان يكثّف بحثه عن استراتيجية العلاقات والتوسع في أفريقيا - م. ميشال كلاغاصي


حتى وقت قريب، كان النفوذ التركي ينمو بسرعة في شرق أفريقيا والجزء الغربي من ساحل القرن الأفريقي والصومال، لكنه امتدّ الآن نحو غرب أفريقيا أيضاً

منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة في العام 2002، أظهرت تركيا اهتماماً خاصاً بالقارة السمراء، التي شكَّلت إحدى الأولويات الرئيسية لسياسة الرئيس رجب طيب إردوغان الخارجية، والذي حرص على القيام بجولاتٍ سنوية من دون انقطاع، وقام بـ"50 زيارة إلى 30 دولة أفريقية"، بحسب الوزير جاويش أوغلو، كان أبرزها الجزائر والسنغال والصومال وجنوب أفريقيا

في 23 تشرين الأول/أكتوبر، اختتم المنتدى الاقتصادي والتجاري الأفريقي التركي الثالث أعماله في إسطنبول، بحضور 250 وفداً من 41 دولة وأكثر من 30 رئيس دولة أفريقية، والذي اعتُبر مقدمة للقمة الثالثة للشراكة التركية الأفريقية التي عُقدت قبل أيام، والتي أرادتها أنقرة لإظهار نجاح "التعاون الاستراتيجي الجديد بين تركيا ودول القارة السوداء"

في السّنوات الأخيرة، كثّفت تركيا نشاطاتها التجارية مع الدول الأفريقية، وتجاوز حجم تبادلها التجاري معها 25،3 مليار دولار منذ العام 2020، وارتفعت الاستثمارات التركية إلى 7 مليارات دولار، كما زادت عدد بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا من 12 إلى 43 بعثة، تم افتتاح 31 منها بعد العام 2009، ولا يزال العديد منها قيد التنفيذ، إضافةً إلى تحويل إسطنبول عبر الخطوط الجوية التركية، ومن خلال أكثر من 60 وجهة، إلى مركز لوجستيّ يربط أفريقيا بالقارات الأخرى

إنَّ نشاط تركيا على خطّ القارة الآسيوية والأوروبية لم يمنع تحركها باتجاه أفريقيا. وقد يكون للسياسات الداخلية والخارجية الرعناء، وسلوك الرئيس التركي تجاه أوروبا، وتعليقها مؤخراً انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، أسباب إضافية تدفعها نحو أفريقيا أكثر فأكثر، كما تدفعها إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، كما جاء على لسان الرئيس التركي في خطاب القمة قبل أيام: "إنَّ النضال الذي نخوضه تحت شعار "العالم أكبر من خمسة"، ليس من أجلنا فحسب، بل لمصلحة إخواننا الأفارقة أيضاً. ومن الإجحاف الكبير أن لا تكون هناك كلمة ودور في صنع القرارات في مجلس الأمن لقارة أفريقيا التي يعيش فيها 1.3 مليار نسمة"

حتى وقت قريب، كان النفوذ التركي ينمو بسرعة في شرق أفريقيا والجزء الغربي من ساحل القرن الأفريقي والصومال، لكنه امتدّ الآن نحو غرب أفريقيا أيضاً، فالاهتمام التركي يتخطّى التعاون التجاري والاقتصادي، ويعتمد على التعاون والمبيعات العسكرية، إلى جانب الوجود العسكري التركي الفعلي في ليبيا والصومال وتشاد

وباتت تركيا تتحدَّث عن شراكتها الاستراتيجية مع الاتحاد الأفريقي، وسعيها نحو تحقيق ربح مشترك وعلاقات "استراتيجية وطويلة الأمد"، بحسب الوزير جاويش أوغلو في القمّة مؤخراً، كذلك بتأكيد وزير الدفاع خلوصي أكار لنظيره النيجيري "ضرورة تطوير الدفاع الإقليمي والأمن والصناعات الدفاعية"، إضافةً إلى اهتمام تركيا بالثروات الأفريقية وتوفر الأيدي العاملة والأجور المنخفضة، ناهيك بالعزف التوسعي العثماني، المستند إلى اعتبار شمال أفريقيا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، الأمر الَّذي يمنح تركيا نفوذاً 

وفي هذا السياق، ترافقت زيارة الرئيس إردوغان إلى نيجيريا الشهر الماضي مع حملة إعلامية ركّزت جهودها على إعادة إحياء الصداقة "المنسية" بين السلاطين العثمانيين وإمبراطورية "كانم برنو"، التي احتلت أجزاء من ليبيا وتشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون، والتي اعتبرت يوماً جزءاً من العالم الإسلامي، وانتهت في بداية القرن العشرين، بعدما تم تقسيمها بين بريطانيا وفرنسا

إنّ سعي تركيا لإقامة عدد من القواعد العسكرية في أفريقيا يؤكّد حرصها على إيجاد موطئ قدم ثابت لحماية مصالحها هناك، على غرار الزيارات التي قام بها إردوغان مؤخراً إلى أنغولا ونيجيريا وتوغو، قبيل منتدى إسطنبول للأعمال، بهدف الترويج للصناعات الدفاعية التركية.

وقد نجحت تركيا في التوقيع مؤخراً على اتفاقيات ثنائية للتعاون في إنتاج وشراء وصيانة المعدات العسكرية والدعم اللوجستي وتبادل المعلومات مع كلٍّ من تنزانيا والسودان وأوغندا وبنين وساحل العاج

أخيراً، باتت التحركات التركية تجاه القارة الأفريقية تثير حفيظة عدة دولٍ، كالصين وفرنسا، إذ تتوجّس الأولى من تفوق الصناعات العسكرية التركية مقارنة بأسعارها، إضافة إلى القروض والتسهيلات التي تقدمها أنقرة، فيما تتخوف الثانية من تراجع هيمنتها، وتخبّط سياساتها في أفريقيا، وتنامي المعارضة الأفريقيّة للوجود الفرنسي في غالبية الدول الأفريقيّة، بالتوازي مع المدّ والتوسع التركي هناك

ميشال كلاغاصي

21/12/2021

 

No comments:

Post a Comment