Wednesday, March 23, 2022

تركيا وسيط غير محايد.. ودورها في دمج التنظيمات القاعدية مع النازيين الأوكران - م. ميشيل كلاغاصي


 

تسعى تركيا - إردوغان دائماً للحفاظ على علاقاتها مع روسيا، على الرغم من لدغها بين الحين والحين، واسترضاء الرئيس الروسي كلَّما تأجج استياؤه وغضبه من غدرها.

منذ مطلع القرن الحالي، وتحديداً بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001، تضاعف عدد البقع والساحات الساخنة، واستعرت الحروب بشكلٍ كبير. ومع اختلاف الذرائع والمسببات، تصدّرت الولايات المتحدة لائحة المهاجمين، وانقسم العالم بين مراقبٍ وصامت ومؤيدٍ وداعم تحت العباءة الأميركية، ورافضٍ ومتخوف من تداعياتها ونتائجها وحدود انتشار نيرانها.

ومن اللافت أن تظهر تركيا بوصفها عاملاً مشتركاً في جميع الأحداث والصراعات التي حدثت ولا يزال العالم يشهدها حتى اللحظة، سواء كانت طرفاً مباشراً أو غير مباشر، على الأقل كجهة مؤثرة عبر دعمها السياسي والاقتصادي والعسكري لأحد أطراف الصراع.

والأهم أنّها شكّلت الخزان الرئيسي لجمع الإرهابيين وتدريبهم وإرسالهم إلى الساحات الساخنة. وشيئاً فشيئاً، كانت تركيا نفسها تتحول إلى الحدث الأبرز، وكان يلمع نجم إردوغانها وخارجيتها، وتضج وسائل الإعلام بتصريحاتهم أو تهديداتهم أو وساطتهم، الأمر الذي يؤكّد أنها تؤدي دوراً رئيسياً في الأحداث الدولية، بما يفوق قدراتها وإمكانياتها، تبعاً لمشاكلها الداخلية وأزماتها الاقتصادية، ناهيك بانعدام ثقة المجتمع الدولي بالرئيس إردوغان وحكومته التي اعتمدت سياسة الأرجحة على حبال الدول العظمى. 

ولا يخفى عن أحد أنَّها عرضت وساطتها في الأزمة الأوكرانية قبل أن تتفاقم، وتحوَّلت في موقفها بعد أسبوعين من بدء روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة لنزع سلاح النازيين الأوكران، بعدما بلغت كرة "الثلج" حجماً بدأ يهدد العالم باندلاع الحرب العالمية الثالثة، نتيجة الدعم السياسي والعسكري والإعلامي، الأميركي والبريطاني والأوروبي عموماً، وعديد الدول التي تدور في الفلك الأميركي، إضافة إلى دعم حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت الذي أدانت تركيا العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لم تتوقف عن تقديم كل أشكال الدعم للرئيس الأوكراني وحكومته ونازييه الراديكاليين، واستمرَّت بتزويدهم بالطائرات القتالية من دون طيار وبتعميق كلّ أشكال التعاون العسكري بينها وبينهم، ناهيك بإرسالها آلاف المقاتلين والإرهابيين الذين يعملون تحت رعايتها وقيادتها، ممن تحتفظ بهم في مناطق احتلالها في سوريا وليبيا، ومن تستجرّهم وتجنّدهم عبر شركاتها الأمنية غير الشرعية في آسيا الوسطى وأفريقيا ودول مختلفة لمواجهة القوات الروسية في أوكرانيا.

إنّ سعي تركيا لزجّ إرهابيي التنظيمات الإسلامية القاعدية في ساحات أوكرانيا لمواجهة القوات الروسية يكشف نياتها بدمج التنظيمات الإسلامية الراديكالية الفاشية مع الراديكاليين النازيين الأوكران، لإنتاج أيديولوجيةٍ جديدة مختلطة، أساسها العداء للأمة الروسية وأيديولوجيتها القومية - الأرثوذوكسية بشكلٍ رئيسي، بما يسمح لهم بمواجهتها وقتالها على جبهتين قد تتخطّى حدودهما الأراضي السورية والروسية. 

وقد أكّد الإرهابي سهيل حمود الملقب بـ"أبو تاو" - الموجود في إدلب - في صفحته الخاصة في "تويتر"، استعداده للذهاب ودعم الجيش الأوكراني، فيما نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي عن الإرهابي المعروف باسم "أبو ماريا القحطاني" قوله: "إذا قاتل مسلمٌ الروس في أوكرانيا وهزمهم، فسيُكافأ في السماء. وإذا قُتل، فسيكون شهيداً في حربٍ مقدسة". ويبقى السؤال: ما طبيعة الدور والوساطة التي تؤديها أنقرة؟ هل تبدو وسيطاً محايداً، وهي التي تعدّ أقرب إلى حليفٍ عسكري بالنسبة إلى أوكرانيا، ورأس حربةٍ لحلف الناتو، وقارعاً لا يملّ على أبواب الاتحاد الأوروبي؟

وفي الوقت ذاته، تسعى تركيا - إردوغان دائماً للحفاظ على علاقاتها مع روسيا، على الرغم من لدغها بين الحين والحين، واسترضاء الرئيس الروسي كلَّما تأجج استياؤه وغضبه من غدرها، وسط إدراك موسكو أنَّ تركيا لا تنفك عن محاولاتها لمنافستها وإقصائها عن مناطق نفوذها تحت عباءة المشروع الطوراني والعثمنة القديمة – الجديدة التي لا تحيد في جوهرها عن المشروع الصهيو – أميركي الغربي المعادي لروسيا.

هذا الأمر يزيد بطبيعة الحال درجة تعقيد العلاقات الروسية - التركية، ويجعلها غير قابلة للتفسير لدى البعض، وخصوصاً أنّها تتعدى صفقة شراء نظام الدفاع الجوي الروسي "S-400"، وسط الحديث عن قيام روسيا ببناء أول مفاعل نووي في تركيا، وبناء خط أنابيب تحت البحر الأسود يصل إليها، في الوقت الذي تُعتبر روسيا أهم مورّدي الطاقة بالنسبة إلى تركيا، وتستورد منها سنوياً أكثر من 90% من احتياجاتها... ومع ذلك، قامت مؤخراً بإدانة العملية العسكرية الروسية، واستغلال اتفاقية مونترو للعام 1936، بمنع وصول القطع الحربية البحرية الروسية إلى شواطئ أوديسا.

وفي سياق سعيه للتمهيد لدور وساطته، أكّد الرئيس التركي مؤخراً خلال اتصال مع الرئيس بوتين استعداد تركيا "لاستخدام الدولار واليورو والروبل والذهب واليوان في التجارة بين البلدين"، واستقبل رئيس الكيان الإسرائيلي في أنقرة، وقام وخارجيته بسلسلة لقاءات واتصالات لجمع كلّ الخيوط التي تتيح له أداء دور الوسيط.

وقد استطاعت تركيا بالفعل جمع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا يوم أمس الخميس في أنطاليا، وسط توقعات بسيطة لنجاح الوساطة التركية حالياً، لعدم توفر أية أرضية سياسية للحل اليوم، ولا يزال الرهان الأميركي والغربي يصبّ في إطالة أمد المواجهات العسكرية لإغراق موسكو في المستنقع الأوكراني، واستغلال ذلك في تطبيق أقسى العقوبات وإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي.

كذلك، لن يتخلى الروس عن شروطهم المتعلقة بحماية حدودهم وأمنهم القومي، وبمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو عبر نصٍ دستوري، ناهيك بمدى إمكانية تخلي موسكو عن خلع الرئيس الأوكراني ونظامه السياسي المعادي لروسيا. 

ليس من باب المصادفة أن تحضر تركيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإرهابياً في كل الصراعات الدولية، وخصوصاً أنها لا تملك إمكانيات تمويل قواتها وخوض المعارك بعيداً عن أراضيها، إضافة إلى عدم قدرتها على تلبية مطالب الأطراف التي تحاول التوسط بينها.

م. ميشيل كلاغاصي

10/3/2022

No comments:

Post a Comment