Saturday, March 5, 2022

ثبات طهران يقودها نحو إلحاق الهزيمة الدبلوماسية بواشنطن من بوابة فيينا - م. ميشيل كلاغاصي

بدأت الجهود الدبلوماسية الإيرانية تأتي بأكلها في مفاوضات جنيف الماراتونية , على الرغم من المراوغة الأمريكية , وإلتفافها على نقاط الحوار , وبعد مسرحية استبعاد واستبدال بعض من دعتهم بصقورها في الفريق المفاوض , واتخذت قرار إعادة الاستثناءات التي تم إلغاؤها سابقاً من العقوبات التي فرضتها على برنامج إيران النووي , في وقتٍ ينظر الإيرانيون نحو تجريد واشنطن من كافة شروطها المسبقة , والرضوخ إلى ثبات وصلابة المواقف الإيرانية النابعة من إيمانهم بحقوقهم , وبأصول التفاوض المهني.

في وقتٍ اعتبر البعض أن إعادة الإستثناءات هو تنازل أمريكي , وقد يعقبه تنازلات أخرى , من شأنها التوصل في نهاية المطاف إلى إعتراف واشنطن ومن يجتمعون حول مواقفها , بحق إيران بتطوير ملفها النووي السلمي , وبرفع كامل العقوبات , بعيداً عن الإتهامات المزيفة وبإتجاه إيران نحو "إنتاج القنبلة النووية" وما شابه ذلك.

ومن خلال تقييم أولي لإعادة الإستثناءات , تبدو طهران في وضع جيد , يسمح لها من جديد بتوسيع اّفاق تعاونها مع الشركات الروسية والصينية والأوروبية , ويبشر بقرب إستعادة نشاطها على مستوى استخدام برامج الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء , وسد حاجة البلاد الماسة إليها , وهذا بدوره سيساعد على تنشيط القطاع الصناعي الداخلي بالدرجة الأولى , ناهيك عن أهمية ذلك بالنسبة لكافة القطاعات الزراعية والتجارية وغيرها. 

إضافةً إلى ذلك , لا بد أن تنعكس اّثار رفع على الوضع السياسي الداخلي , بما يؤكد نجاح النهج الذي يتبعه الرئيس إبراهيم رئيسي , ووعوده الإنتخابية التي بدأت تتحقق على أرض الواقع , من حيث الإهتمام بالداخل الإيراني وبتحسين الأوضاع المعيشية للإيرانيين.

في حين يتوجس البعض من قرار واشنطن بإعادة الإستثناءات , على أنه فخٌ أمريكي , تسعى من خلاله لتحييد إيران عن الصراعات الدولية من حولها , ولتخفيف حدة إقترابها من موسكو وبكين , والتأثير على تعاونها الإستراتيجي معهما , بالتوازي مع حالة الغليان السياسي والتصعيد العسكري في الملف الأوكراني الذي قد يتطور إلى مواجهة عسكرية تشعل أوروبا والعالم.

كما أن التراجع عن بعض العقوبات , تعتبره بعض الأوساط الأمريكية , لا يشكل دليلاً على التوصل إلى تفاهم متبادل مبكر بشأن العودة المتبادلة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة ، ولا يمكن إعتباره مؤشراً على إقتراب وشيك للإتفاق النهائي.

مهما يكن من أمر إعادة الإستثناءات ورفع بعض العقوبات , وكيف ينظر إليه الأمريكيون والإيرانيون , يبقى من المؤكد أن بلوغ هذه المرحلة يضع الرئيس جو بايدن في موقف محرج للغاية , أمام حلفائه وشركائه في الشرق الأوسط بالدرجة الأولى , وتقع على عاتقه وإدارته مهمة إقناع الإسرائيليين والسعوديين , بالتخلي عن هواجسهم وحساباتهم , التي رسموا من خلالها سياساتهم وتحالفاتهم على أساس "الخطر النووي الإيراني" , ناهيك عن إقناعهم كذلك بأن إيران لم تحقق إنتصاراً كبيراً يعزز قدراتها وإمكاناتها وتماسكها الداخلي , الذي سينعكس بالضرورة على سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية في الإقليم والعالم , يبدو من المهم للرئيس بايدن أن يفكر بمخرجٍ يجعله يتفادى هزّ علاقته بتل أبيب والرياض , الأمر الذي سيحد دونما شك من قدرة الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط 

من زاويةٍ أخرى , قد يؤدي هدوء طاولة المفاوضات , وتقديم واشنطن بعض التنازلات , إلى هدوء تدريجي  في العلاقات بين واشنطن وطهران ، وتخفيف الحملات الإعلامية ضد إيران , الأمر الذي سيطلق ذراعيها بحرية نحو التعاون ليس مع موسكو وبكين فقط , بل مع دول أخرى لم تكن واشنطن لتتوقعها , وستتربع إيران على عرش الدول التي استطاعت إيقاع الهزيمة الدبلوماسية بواشنطن , وبما يفتح الباب أمام عشرات الدول التي تتهيأ لمثل هذا الواقع.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

15/2/2022

 

No comments:

Post a Comment