Sunday, March 6, 2022

الأوروبيون ما بين الأمن والإستقرار والغاز الروسي أو خوض الحرب الأمريكية - م. ميشيل كلاغاصي


مؤخراً , وفي مؤتمر ميونخ للأمن , تحدث رئيس الوزراء البولندي عن روسيا بأنها "تستخدم غازها الطبيعي كسلاح" , وطالب من خلال ببغائية القطيع الأوروبي , بدفن فكرة إطلاق مشروع نوردستريم 2 , وذهب لأبعد من ذلك , وطالب بوقف تشغيل مشروع نوردستريم 1.

لقد أتى كلامه في سياق أجندةٍ أمريكية تحرص على إقصاء روسيا عن سوق وطرق إمداد الغاز نحو دول العالم , أيُّ خدمةٍ قدمها رئيس الوزراء البولندي لواشنطن , وانضم إلى قافلة الدمى والناطقين البولنديين والأوكران وغالبية الأوروبيين , المهتمين بإملاءات واشنطن بتعطيل مشروع نوردستريم2 , بما فيهم ألمانيا – أولاف شولتز – المغلوبة على أمرها , والتي تبدو كمن ينتحر بتعليقها المشروع .

فالمستشار الألماني الجديد , لم يلحظ سياسة أنجيلا ميركل طيلة سنوات حكمها , وحرصها على إعلان دعمها لأوكرانيا , وتأكيد ضرورة الحفاظ على عبور المشروع عبر أوكرانيا , وقد بذلت ميركل وحكومتها قصارى جهدهم لضمان تنفيذ المشروع ، على الرغم من الرفض والاستياء الأمريكي الكبير.

يبدو أن ضعفه , وحجم إنصياعه وطاعته لواشنطن , كانا وراء تجاهل المستشار شولتز حقيقة إتجاه بلاده نحو إيقاف العمل هذا العام في اّخر ثلاث محطات لإنتاج الطاقة النووية , بما يضاعف حاجتها للإعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي , وهي التي احتاجت في العام 2020 لشراء 120 مليار متر مكعب , هل فكر المستشار كم ستبلغ إحتياجات بلاده هذا العام , هل يعول على واشنطن بذلك , وما هو السعر الجديد , والثمن السياسي لذلك ؟.... لم يكن شولتز ذكياً كنظيره النمساوي , الذي أعلن أنه "حتى لو قامت روسيا بغزو أوكرانيا , فإن فيينا لن تفرض عقوبات على صناعة الطاقة الروسية ونوردستريم 2 , علماً بأنها تحصل على الغاز الروسي عبر بعد مروره في الأراضي الألمانية .

ففي الوقت الذي تستعد أوكرانيا لتوجيه ضربة قاصمة للطاقة الروسية , عبر إنخراطها بصفة طرفٍ رئيسي في المخطط الأمريكي لإستهداف مكانة روسيا وريادتها على أسواق وأنابيب الطاقة حول العالم , سجلت فرنسا موقفاً متقدماً عن الألمان , إذ تؤيد فرنسا - من حيث المبدأ -، الحفاظ على الإستقرار في أوروبا ، لكن الرئيس ماكرون ألمح خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو , أن باريس لا تعارض التعاون مع مؤسسة "روساتوم" الروسية الحكومية للطاقة النووية من أجل تنفيذ برنامج إعادة تسليح الصناعة النووية الفرنسية.

دائماً في الحديث عن خطوط نقل الغاز وتدفقاته , لا بد من لفت الإنتباه إلى حقيقةِ أنها ليست مجرد أنابيب وغاز , وأنها عبارة عن استثمارات بمليارات الدولارات لشركاتٍ خاصة , تساهم الضرائب المفروضة عليها بملىء خزائن دولها , الأمر الذي يساهم بضمان أمنها الوطني , من خلال تأثيرها على الأجندة السياسية لدولهم وعلى السياسات العالمية.

ومن اللافت للإنتباه , أن بولندا وأوكرانيا ، اللذان يبذلان حالياً كل ما بوسعهما لجر روسيا إلى صراع عسكري ، الذي بدوره يفرض على برلين وفيينا وباريس التفكير بعقوبات تكون بعيدةً عن مشاريع وخطوط نقل الغاز الروسي , على الرغم من أن قيامهما بعكس ذلك , لن يكون حاسماً وصاعقاً بالنسبة لقطاع الغاز والطاقة الروسية.

يبدو أن جوهر المواقف الأوكرانية والأمريكية والناتو والإتحاد الأوروبي وحلف وارسو ومواقف غالبية الدول الأوروبية التي تسير في الركب الأمريكي , تحاول وقف جميع خطوط أنابيب الغاز الروسي , مقابل إجبار موسكو على ضخ الغاز إلى الغرب بشكلٍ حصري عبر الشركات الأوكرانية , التي باتت تتحكم بها واشنطن بالمطلق , نتيجة سياسة النازيين الأوكران الجدد ...

من الواضح أن تعطيل نوردستريم 2 , بالإضافة إلى تأثير العقوبات الأمريكية والبريطانية وغيرها , سيصب في صالح الولايات المتحدة الأمريكية , التي خططت لها عبر استغلال الملف الأوكراني , لجني أرباحٍ طائلة نتيجة طرح الغاز الأمريكي المسال كبديل على الدول الأوروبية والاّسيوية , مستفيدةً من الإرتفاع الحتمي لأسعار الطاقة أولاً , ومن إنخفاضها بعدما تُحكم سيطرتها على سوق وأنابيب الغاز الروسي المتجهة نحو الغرب , وفق الحسابات الأمريكية بعد عودة الإستقرار إلى المنطقة.  

ولهذا دأبت حكومة النازيين الجدد في أوكرانيا على تأكيد أهميتها الجيوسياسية , وبأنها بلد عبورٍ يمكن الإعتماد عليه , في وقتٍ لا يؤكد سلوكها منذ عام 2001 ما تحاول تاكيده اليوم , وأنها تسببت عبر أكاذيبها بإنقطاع الإمدادات وسرقتها , في تأجيج المشاكل مع روسيا عشرات المرات , وسط إدراك حكومات الدول التي يصلها الغاز الروسي لتاريخ فضائح الغاز الأوكرانية.

لا يمكن تصور إمكانية إستغناء بعض الأوروبيين عن إمدادات الغاز الروسي , وسط إدراكهم بأن إغلاق الأبواب مع موسكو , سيقضي على الصناعات المتوسطة والثقيلة في ألمانيا وفرنسا والنمسا وغيرها , من المؤكد أن طاعتهم العمياء للسيد الأمريكي ستكبد شركاتهم وحكوماتهم خسائر بمليارات الدولارات !.  

بات من الواضح أن ما يحصل اليوم , لن يكون حرباً أو "غزواً روسياً " , بل هي حربٌ تاريخية لإعادة توزيع النفوذ وفق موازين القوى الجديدة والحالية , وعلى الأوروبيين اختيار مصالح دولهم وشعوبهم إما في السلام والأمن والإستقرار مع موسكو أو في خوض حروب النفوذ الخاصة للقطب الأمريكي الجريح.

No comments:

Post a Comment