Sunday, March 27, 2022

"الأحلام" و"القيم" الغربية ... ذهبت أدراج الرياح - م. ميشال كلاغاصي


يتقادم التاريخ لكنه لا يزول , كان وسيبقى الشاهد الحقيقي أفعال الدول والشعوب وحتى الأفراد , من منكم لا يعرف تاريخ القارة العجوز, ومن لا يذكر بريطانيا وفرنسا واسبانيا وإيطاليا وبلجيكا والبرتغال وغيرها , عندما بنت جيوشها وخاضت الحروب الإستعمارية البشعة , فقتلت وسطت وسرقت وتنمرت على غير دول وساقت شعوبها عبيداً , لترضي شهواتها وأطماعها , ولتبني "أمجادها" على دماء البشر, ولتشيد القصور والقلاع , وتنعم بثروات غيرها , فحاكت الملابس الفاخرة , وابتدعت طقوساً , وأوسمة وضعتها على صدور مجرميها , وصاغت لهم نفاقها ألقاباً , ودعتهم فرسان ونبلاء .. وأصبح لديها وجهان شهيران , أولهما قاطعٌ للرؤوس ومسيّلٌ للدماء , وثانيهما شريفٌ وجنتلمان , يمشي ويتحدث ويأكل ويرقص بالإتيكيت , محاضراً بالقيم والأخلاق , ومنادياً بالحرية والديمقراطية , متباهياً بوهمٍ حضاري – "إنساني" لم يصنعه ولم يعرفه أصلاً.

وحمل ديمقراطيته المزعومة على كتفه , وانطلق ليعممها على العالم , ويُصنّف دوله على درجات سلمه الخاص , فوضعهم في خانات عرقية وقومية ودينية وإثنية , وتبين له أن من بينها دول ديمقراطية , وأخرى شبه ديمقراطية وثالثة لا ديمقراطية , فاضطر لغزوها وقتل شعوبها وسرقة ثرواتهم علهم يتدمقرطون ..

مالذي تغير اليوم , وكيف انقلبوا على تاريخهم , وانطلقوا عبر حملةٍ إعلاميةٍ جماعية لإنتقاد وشيطنة الدولة الروسية وقيادتها من البوابة الأوكرانية – الإنسانية , وعلا صراخهم , وتداعوا لحماية حقوق الإنسان في أوكرانيا , على حساب حقوق الإنسان في روسيا , وطالت الأدباء والفلاسفة والفنانين والطلاب الدارسين وحتى الرياضيين , وبفرض مئات العقوبات على الدولة الروسية وقياداتها وسياسييها وإقتصادييها , بلا منطق أو خجل , بإعتراف وزير الإقتصاد الفرنسي برونو لومير صراحةً: "سنشن حربًا اقتصادية ومالية شاملة ضد روسيا , وسيدفع الشعب الروسي ثمن تلك العواقب" , كذلك ما أعلنته وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس :"لن تهدأ بريطانيا قبل أن تدمر الإقتصاد الروسي".

ومن باب النفاق والتعالي والكراهية القديمة – الجديدة , يطالبون روسيا بقبول "قيمهم" و"شعاراتهم" المزيفة , من الواضح أن جوقة " الفرسان والنبلاء" الأوروبيين , قد هزمت نفسها بنفسها , ولم تلتزم بالمبادئ والأيديولوجيات التي أعلنتها والتي دعت العالم بأسره إلى اتباعها , لم ولن يخدعوا روسيا والعالم ثانيةً , بتأكيد الوزير لافروف وبقوله :" ودعت روسيا الأوهام بشأن الغرب".

من المهم لروسيا أن تتعامل مع النفاق الأمريكي والأوروبي , إنطلاقاً من ماهية العلاقة الأبدية بينهما , وفكفكة الرموز الغامضة والعميقة التي جعلت الغرب خصماً أبدياً ، يتحول إلى عدوٍ شرسٍ في لحظات , ولا بد من تسليط الضوء على ما يسمى بـ "الحلم الأمريكي" , الذي تشدق به مراراً الرئيس جورج بوش الإبن وحاشيته , وفيه يتغنون بتاريخهم "العظيم" , وبوطنهم على أنه مدينة تربو على تلٍ كقلعة حصينة , تمطر  جميع الوديان والشعوب بصواريخها , بما يعكس حلمهم وشغفهم للهيمنة والسيطرة على العالم.

وإذا كان التاريخ الأمريكي والأوروبي الغربي على بشاعته يعكس "أحلامهم" , فيحق لروسيا والصين وإيران وسوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرهم , التباهي والمفاخرة , وبإطلاق حلماً أخلاقياً أدبياً حضارياً إيديولوجياً , تاجه السلام والرسالة الإنسانية .

تبدو الأحلام المتضاربة لواشنطن وروسيا ومن يشبهوهم حول العالم , قد فاقمت الصراع الحالي , وحولته إلى معركةٍ شاملة , إيديولوجية , سياسية , عسكرية ، نفسية ، إعلامية ، مادية , وروحية شيطانية , وبات من الضروري الإلتفاف حول القيم الحضارية والإنسانية الحقيقية وليس تلك الغربية المزيفة , كذلك بات من المهم إعادة النظر في المظاهر الخادعة التي يتقمصها حكام البيت الأبيض وباريس ولندن وبروكسل وأنقرة وتل أبيب ...إلخ , وقادة الناتو والإتحاد الأوروبي وأوكوس ... , ورصد تأثيرها على تضليل البشر وإضعافهم .

يبدو من الحكمة والصواب اليوم , مقاومة الشر الأمريكي – الأوروبي الغربي المطلق , ولجم "أبطاله" و"أبطال الإعلام المزيف" , والإلتفاف حول الدور الروسي , والرئيس بوتين , الذي أرادها مرحلةً "لإعادة تصحيح التاريخ" , والقضاء على أوهام الحلم الغربي ونفاقه وأخطائه , وها هو جوزيب بوريل رئيس دبلوماسية الإتحاد الأوروبي يقول:" فقدنا إمكانية التقارب الروسي مع الغرب" , "لقد ارتكبنا عديد الأخطاء تجاه روسيا"  كوعد أوكرانيا بعضوية الناتو.

المهندس: ميشال كلاغاصي

13/3/2022

 

No comments:

Post a Comment