Sunday, March 27, 2022

زيلينسكي وبلاده على مذبح واشنطن لأجل عضوية الناتو - م. ميشيل كلاغاصي


يا لها من مغامرة خاضها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونازييه الأوكران , ثماني سنوات وهم يسيرون على طريق خراب وتدمير أوكرانيا , ومن حيث يدرون أو لا يدرون , نفذوا ما خُطط لهم ولروسيا وأوروبا من بعيد , وأدخلوا أنفسهم داخل دوامة المشاريع الغربية ,  صدقوا أو لم يصدقوا أحلاماً وردية , وبأنهم سيدخلون التاريخ ويهزمون "امبراطورية" روسيا - بوتين العتيدة , وسيدخلون الإتحاد الأوروبي وستصبح كييف أحد عواصم الناتو , وسيصبح زيلينسكي بطلاً إسطورياً يخلد التاريخ إسمه .

لكنها عشرة أيام فقط , من عمر العملية العسكرية الروسية الخاصة , بدت كافية للرئيس الأوكراني , ليخرج ببيانٍ يعلن فيه وقف ضغوطه من أجل عضوية كييف في الناتو , وأنه لا يريد أن يكون الرئيس الذي يجثو على ركبتيه ليتوسل داعميه , وأعلن إنفتاحه على "التسوية" حول دونيتسك ولوغانسك كمنطقتين أوكرانيتين مواليتين لروسيا. 

تألم الرجل من حلفائه وداعميه , وقال "تُركنا وحدنا لنقاتل روسيا" , وأكد في 7 اّذار/ مارس خلال مقابلةٍ مع قناة "ABC News" ، استيعابه المتأخر لعدم قبول الناتو بعضوية أوكرانيا , وأن الحلف يخشى مواجهة موسكو , لكن الأمر جاء متأخراً , وبتكلفة كان من الممكن تجنبها.

وسارعت وزارة الخارجية الروسية للرد الفوري على بيانه , وأكدت: " أن الجيش الروسي لا يستهدف إحتلال أوكرانيا أو تدميرها أو الإطاحة بحكومتها" , و" لا يستهدف سكانها المدنيين" , لقد فسر البعض كلا البيانين الروسي والأوكراني , على أنهما مقدمة لتسويةٍ يمكنها وقف هذه الحرب المكلفة وسط بيئةٍ جغرافيةٍ سياسية معقدة للغاية.

لقد تمحورت هذه البيئة الجيوسياسية حول عضوية كييف في الناتو منذ عام 2008 , عندما عرض الرئيس جورج .د. بوش عضوية الناتو على أوكرانيا وجورجيا... ومع أن زيلنيسكي رفض أن يجثو على ركبتيه ليستجدي حلفائه , لكنه لا زال يحتفظ بخيار الانضمام إلى الناتو , رغم إدراكه أن الحلف لا يمنح  العضوية لدولةٍ ذات حدودٍ متنازع عليها.

لقد سمع الرئيس الأوكراني كلام نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس , عندما استبعدت حدوث ذلك وأنه من المبكر الحديث عنه , كذلك سمع تصريح الأمين العام للناتو بأن :"أعضاء الناتو وأوكرانيا سيقررون متى ستنضم أوكرانيا إلى الحلف" , ومع بقاء باب العضوية الأوكرانية مفتوحاً , ولم يغلقه أحد حتى اللحظة , لكن زيلينسكي في مؤتمره الصحفي في 14 شباط/ فبراير, اعتبر أن الانضمام إلى الناتو يمكنه أن يكون "حلماً".

ويتساءل البعض لماذا ترفض روسيا عضوية أوكرانيا , ولا يتسائلون لماذا رفض الرئيس بايدن حيادها كما طالب الرئيس بوتين.

أيُّ ثقةٍ يمكنها طمأنة موسكو حيال مطالبها الأمنية وأمنها القومي ؟ ... فعند حل حلف وارسو ، كان هناك اتفاق شرف بين روسيا وحلف الناتو لإحترام أمن روسيا , بالإضافة لعدم قبول دول حلف وارسو في الناتو بتوسيعه شرقاً , ومع ذلك قام الناتو بضم سبع دول من حلف وارسو السابق , وثلاث دول من الإتحاد السوفيتي السابق ... في حقيقة الأمر , يبدو أن تنفيذ المخطط الأمريكي ضد روسيا مع إطلاق العرض الأمريكي عام 2008 بضم أوكرانيا وجورجيا , والذي وصفته – يومها - ألمانيا وفرنسا بأنه غير ضروري.

وجاءت مفاعيل العرض , نتيجة خلق تطوراتٍ سياسية وعسكرية هامة وخطيرة في المنطقة , اضطرت فيها موسكو للهجوم على جورجيا عام 2008 ، وإنشاء جمهوريتين مستقلتين في أوسيتيا وأبخازيا ، كذلك بضم شبه جزيرة القرم عام 2014 , وكبح التمرد المسلح في دونباس - أوكرانيا في نفس العام.

لقد وضع الرئيس فلاديمير بوتين خطاً أحمراً حول عضوية أوكرانيا في الناتو , ولم يأتيه الرد الواضح حول عدم منحها العضوية , في الوقت الذي بدأت فيه أوكرانيا بتلقي المساعدات العسكرية من الغرب , وسط الوعود بالدفاع عنها إن هاجمتها القوات الروسية , في وقتٍ راهنوا فيه على عدم قيام موسكو بالعملية العسكرية الخاصة.

من خلال إدراكها لنوايا واشنطن ومخططها لإستهداف الأمن القومي الروسي , ومحاصرتها وتدمير إقتصادها وإقصائها عن أسواق الطاقة والنفط والغاز , يبدو من الواضح أن موسكو استعدت مسبقاً للعقوبات والحصار , وإلى ما هو أبعد بكثير, وأعلنت أنها "لن تطالب برفع العقوبات", بالمقابل أخطأت أوكرانيا بتقدير الموقف الروسي , وبالغت بتقدير الدعم السياسي والإقتصادي الغربي , ولم تكن تعتقد أنها ستتلقى دعماً إعلامياً تسويقياً لأهداف واشنطن الحقيقية , في وقتٍ تُركت بمفردها بمواجهة القوة العسكرية الروسية...

ويبقى السؤال , هل يستحق إنضمام أوكرانيا إلى الناتو كل هذا "العناء" , مالذي يدفع الرئيس الأوكراني لقبول المهمة المستحيلة لخدمة الناتو والولايات المتحدة , أما كان بالإمكان تفادي الحرب والخراب والدماء والبرد والتهجير , وهل بمقدور الدولة والشعب الأوكراني تحمل المزيد من الخراب والدمار , كيف له أن يصدق واشنطن التي تخلت عن أدواتها وعبيدها مراراً وتكراراً , وقد تضع حياته ومصيره وقومييه النازيين , ومستقبل شعبه , على مذبحها , من أجل التفاوض والمقايضة والتسويات الدولية , ألم يسمع كلام السيد المسيح بقوله :" ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه".

 

 

No comments:

Post a Comment