Saturday, March 5, 2022

أوكرانيا أوقعت نفسها في شباك واشنطن والناتو والبنك الدولي - م. ميشيل كلاغاصي

 

شكّل الإنسحاب الجزئي الذي نفذته القوات الروسية , ضربة قوية للحملة الإعلامية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية بإدعاء "الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا" , التي سعت للتعمية على مواقف وردود واشنطن والناتو حيال المطالب الأمنية الروسية المتعلقة بسلوكهما لناحية تجميع القوات والسلاح على الحدود الروسية , بالإضافة إلى محاولات ضم أوكرانيا لحلف الناتو الذي لم يتوقف عن التوسع شرقاً.

وما دعي بالإنسحاب الروسي الجزئي , لا يعدو في الحقيقة سوى , عودة بعض الوحدات الروسية إلى ثكناتها بعد إنتهاء مشاركتها بالمناورات الدفاعية في بيلاروسيا والقرم , لكن الإدارة الأمريكية وحلفائها , لا زالوا يصبون جهودهم على استغلال الحملة الإعلامية المزيفة إلى أبعد مدى , وتصوير روسيا على أنها بصدد غزو أوكرانيا , على الرغم من تأكيد موسكو بأنها لا تملك خططاً لغزو أوكرانيا أو أي بلدٍ اّخر.

ومن المثير للإستغراب , أن يلجأ الرئيس بايدن وإدارته إلى تحديد موعد الهجوم المزعوم في 16 شباط / فبراير , الموعد الذي لم يتحقق حتى اللحظة , وربما لن يتحقق أبداً , على الرغم من قيامه اليوم بفتح السقف الزمني للغزو المزعوم , وإدعائه بأن الغزو سيتم في أي لحظة , لكن الرئيس الأوكراني ابتلع الطعم وصدق الرواية الأمريكية , ووضع نفسه أمام سخرية وسائل الإعلام الغربية والروسية التي نقلت التصريح الساخر للسفير الروسي لدى الإتحاد الأوروبي بقوله :"نادراً ما تبدأ الحروب في أوروبا يوم الأربعاء".

ومع ذلك , لم يتخل الرئيس بايدن عن رواية "الغزو الروسي" , خصوصاً وأنه اعتمد عليها لخلق الذريعة والمبرر لفرض عقوباتٍ جديدة وإضافية على الدولة والرئيس الروسي , لكن الإنسحاب الجزئي للقوات الروسية أحرجه , ودفعه للقول بأنه سيمنح الوسائل الدبلوماسية "الفرصة" على الرغم من "التهديد" الذي لا زالت تشكله القوات الروسية , وبأن الغزو لا يزال أمراً ممكناً .

من الواضح أن تمسك أو تخلي الرئيس بايدن عن اللعبة الإعلامية , لم يزيل أو يخفف من خطر إقدام الحكومة الأوكرانية على نشر قواتها المسلحة بمواجهة دونباس , واستمرارها بتهديده , وقد نفذت صباح اليوم قصفاً مدفعياً استفزازياً على منطقة إقليم دونيتسك في شرق أوكرانيا ، الخاضع لسيطرة قوات الحكم الذاتي , وسط تبادل الطرفين الإتهامات بإنتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار واستخدام أسلحة ثقيلة بما فيها قذائف المورتر والمدفعية , دون أن يحسب حساباً لوجود القوات الروسية على الطرف الاّخر داخل الأراضي الروسية , بما يؤكد حقيقة المخاوف الروسية وحرصها على مواطنيها في مقاطعات الحكم الذاتي في شرق أوكرانيا , بالإضافة إلى تأكيد حقيقة تمسك الغرب بالرواية الأمريكية وبأن روسيا ستغزو أوكرانيا , وتنسف أمن القارة الأوروبية برمتها , وتضعها على حافة الحرب .

كان لا بد لواشنطن من دعم الإقتصاد الأوكراني لإقناعها بفك الإرتباط عن الإقتصاد الروسي والإرتماء بأحضانها الأمريكية والأطلسية , فشجعت من جهة الخلافات والتصعيد بين موسكو وكييف أولاً , ومن جهة أخرى أرادت إضعاف الإقتصاد الأوكراني ثانياً , وحاولت تعميق الخلافات الأوروبية – الأوروبية , وكل ذلك بهدف استسلام كييف والعواصم الأوروبية لقيادتها في محاصرة روسيا عبر الحرب مع أوكرانيا والأوروبيين , وبوصفها دولة عدوان وتهديد لدول الإتحاد الأوروبي.

لا يمكن تصور الخسائر الباهظة التي تكبدها الإقتصاد الأوكراني – حتى اللحظة – عبر نقل القوات وتأمين الأسلحة , وحالة الفوضى وشل البلاد جراء التهويل بخطر إندلاع الحرب والغزو الروسي المزعوم ... وفي هذا المسار, أعلن وزيرالخارجية الأمريكي في 15 شباط / فبراير , عن "ضمان قرض سيادي" للحكومة الأوكرانية بقيمة مليار دولار , كي تتمكن من الإستمرار وفق الأجندة الأمريكية - على طريق انتحارها - , عبر مساعدتها لدعم أجندة الإصلاح الإقتصادي في البلاد , واستمرار تعاملها مع صندوق النقد الدولي , واعداً الأوكرانيين بشراكة قوية مع صندوق النقد الدولي ومجموعة السبع والمانحين , تحت مزاعم ضمان الإستقرار الإقتصادي والنمو والإزدهار للشعب الأوكراني , في مقارنة خبيثة مع "العدو الروسي" الذي يسعى لزعزعة استقرار وأمن أوكرانيا من خلال "الغزو الوشيك". 

أي سذاجة , وربما أي عمالة , تقود حكومة الراديكاليين الأوكران الحالية , كي تسير بعكس مصالحها وشعبها , وتبلغ شكرها وإمتنانها على لسان وزير الخارجية الأوكراني للوزير بلينكن على قرار إدارته بتقديم المساعدات المالية لأوكرانيا , وتُوقع نفسها في شباك واشنطن والناتو والبنك الدولي .

لقد سمح الرئيس الأوكراني للحملة الأمريكية وسيناريو الغزو الروسي بالخروج عن السيطرة , من خلال أمله وقصر نظره بالحصول على المساعدات العسكرية الغربية , لكنه لم يحسب وقوع الإقتصاد الأوكراني تحت مخالب واشنطن وصندوق النقد الدولي , وخسارة بلاده مليارات الدولارات التي ستحصل عليها من رسوم العبور عند تفعيل خط أنابيب الغاز نوردستريم 2 , ناهيك عن نتائج اللعبة الخطيرة التي شارك الغرب بها , واسطوانة الغزو الروسي الوشيك , التي أدت إلى هروب رجال الأعمال وأصحاب الشركات والأجانب من البلاد.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

17/2/2022

No comments:

Post a Comment